الرابحة على تجارة لن تبور، ووقاهم لفح الهجير تطوفهم بالكعبتين، ذات المقام وظله، وأمّنهم العقبى تمسكهم بالعروتين، من «١» البيت العتيق وفضله، وعشوا إلى ضوئين من ناره التي هي أم القرى، ومكة المسماة في الذكر القديم أم القرى، فهذه المهاجرة التي جددت السنة بمحمدها، والمثابرة التي أعلنت الألسنة بمدح سؤددها، وهو الجدير بأن يوفيها من استبشاره وشكره أكمل وظيفة، وأن يقدر موقعها حق قدره، وإن كان مما لا تطيق الأمة تكليفه.
ومنه قوله وقد أهدى إليه صاحب له طبق مشمش مع غلام مليح: وصل البر الذي زاد على منتهى الطلب، وأشهد النواظر بين يدي قضيب البان كرات الذهب، وجاء بالبدر وقد اتسق، والنجوم وقد ركبت في دائرة الطبق، فبهت لدنو صور الكواكب من اللمس، وتسيير القمر في منازل الأرض، وهو الذي لا ينبغي أن تدركه الشمس، ثم تأمل وتملى، واستجلى واستحلى، وقال: شكرا للمرسل والرسول، ويا حسن الحامل ويا لذة المحمول؛ أهلا بما لم أكن أهلا لموقعه، ومرحبا بكرم جمع بين تنوعه وتسرعه، أين الأمل من هذه الغاية؟
وكيف غفل الدهر حتى تناهى في الإحسان إلى هذه النهاية؟ مولى يسعى إلى عبده، وغصن يجيء بثمرة تميس في أوراقه من برده.
ومنه قوله في ذكر الدواة: وقد أرسلها مشتعلة بالشيب مفارق رأسها، مستعدية على وضعها الذي انتزع روحها باستمداد أنفاسها، واستحال عليها مع الدهر حتى عكس النقب في روعها من قرطاسها، فهي بيضاء إلا أن السواد كان أنقى لسمائها، وناجية عندها أن الغرق أسكن لروعتها من نجاتها، وأملها أن يسودها يد لك لا تسوّد إلا من النفس، وأن تديل لها من سالب صبغتها وهو الطرس، فيطيل لسان فمها،