للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله «١» : [الكامل]

أملت أن تتعطفوا بوصالكم ... فرأيت من هجرانكم ما لا يرى

وعلمت أن بعادكم لا بدّ أن ... يجري له دمعي دما وكذا جرى

وجاءت شتوة وشّعت بروقها حاشية السحاب، ووشّت لمم الجبال الشائبة توشية الخضاب، وهدرت رعودها الصائلة، ووفت عهودها السائلة، وتوالت مدة لا يكشط فيها سماء، ولا يكشف بأيام الثلوج المصبحة ظلماء، ودامت أياما لا تفصل فصالها عن سحائب، ولا تولد بكرة يوم إلا وهي في طفولتها شائبة النواصي والذوائب، هذا ولا تصبح صبيحة ضاحك إلا ووجه الأرض عبوس، ومعطف السماء في لبوس بؤس، وقوس السحاب ترمي بقسي مالها وتر، وغدر الثلج الصافية كالبلور كلها كدر، والسقوف وقد أرقها المطر فأنهرها، والطرق قد عرفها اللثق ونكّرها، والبرد قد اشتد كلبه، ولهذا غطى جمده الماء، ولم يشتف حتى شرب العذب البارد ممزوجا بمثل الدماء.

فكتبت إليه: كيف أصبح مولانا في هذا الشتاء الذي أقبل يرعب مقدمه، ويرهب تقدمه، ويريب اللبيب من برقه المومض تبسمه؟ وكيف حاله مع رعوده الصارخة، ورياحه النافخة، ووجوه أيامه الكالحة، وسرر لياليه التي لا تبيت منها بليلة صالحة وسحابه وأمواجه وجليده، والمشي فوق زجاجه، وتراكم مطره الحثيث، وتطاول فرع ليله الأثيث، ومواقده السود الممقوتة، وذائب جمره المحمر، وأهون بها ولو أن كل حمراء ياقوتة، وتحدر نؤيه المتصبب، وتحير نجمه المتصوب؟ وكيف هو مع جيشه الذي ما أطل حتى نصب مضارب غمامه،

<<  <  ج: ص:  >  >>