وظلل الجو بمثل أجنحة الفواخت من أعلامه؟ هذا على أنه عرّى الأبنية، وحلل مما تلف ذمّه سالف الأشتية، فلقد جاء من البرد بما رض العظام وأنخرها، ودق فخارات الأجسام وفخرها، وجمد في الفم الريق، وعقد اللسان إلا أنه «١» لسان المنطيق، ويبس الأصابع حتى كادت أغصانها توقد حطبا، وقيد الأرجل فكانت لا تمشي إلا تتوقع عطبا، وأتى الزمهرير بجنود ما للقوي بها قبل، وحمل الأجسام من ثقل الثياب ما لا يعصمهم منه من قال: سَآوِي إِلى جَبَلٍ
«٢» ، ومدّ من السيل ما استبكى العيون إذا جرى، واجتحف ما أتى عليه وأول ما بدأ الدمع بالكرى، فكيف أنت يا سيدي في هذه الأحوال؟ وكيف أنت في مقاساة هذه الأهوال؟ وكيف رأيت منها ما شيب بثلجه نواصي الجبال؟ وجاء من البحر فتلقف ثعبانه ما ألقته هراوات البروق من عصي، وخيوط السحاب من حبال؛ أما نحن فبين أفواج من السحب تزدحم، وفي رأس جبل لا يعصم فيه من الماء إلا من رحم؛ وكيف سيدنا مع مجامر كانون وشرار برقها القادح، وهم ودقها الفادح، وقوس قزحها المتلون؟ رد الله عليه صوائب سهامه، وبدّلنا منه بوشائع حلل الربيع ونضارة أيامه، وجعل حظ مولانا من لوافحه ما يذكيه دهنه من ضرامه، ومن سوافحه ما يولده فكره من تؤامه، وعوضنا وإيّاه منه بالصيف إذا أقبل، وأراحنا من هذا الشتاء، ومشى غمامه المتبختر بكمه المسبل.
فكتب إلي جوابا: وينهي ورود هذه الرقعة التي هي طراز في حلة الدهر، والحديقة التي تذكّر بزمن الربيع وما تهديه أيامه من أنواع الزهر، فوقف منها على الروض الذي تهدلت فروع غصونه بالأثمار، ونظر منها إلى الأفق الذي كلّ كواكبه شموس