الوجوه تالفة؟ أترى هذه الأمطار تقلب من أزيار؟ أم ترى هذه المواليد تنتهي فيها الأعمار؟ كم من جليد يذوب له قلب الجليد، ويرى زجاجه الشفاف أصلب من الحديد! وكم من وحل لا تمشي هريرة فيه الوجى! «١» ، وكم من برد لا ينتطق فيه نوم الضحى! اللهم حوالينا ولا علينا، لقد أضجرنا تراكم الثياب، ومقاساة ما لهذه الرحمة من العذاب، وانجماع كلّ عن إلفه، وإغلاق باب القباب، وتخلل الضباب زوايا البيوت، والأطفال ضباب الضباب، كل ضبّ منهم قد لزم باطن نافقائه، وقدم بين يديه الموت بداية بدائه، قد حسد على النار من أمسى مذنبا وأصبح عاصيا، وتمنى أن يرى من فواكه الجمرات عنابا أو قراصيا، فإن كانت هذه الأمطار تكاثر فضائل مولانا، فيا طول ما تسفح، وإن كانت العواصف تتشبه ببأسه، فيا طول ما تلفح، وإن كانت البروق تحاكي ذهنه المتسرع، فيا طول ما تتألق، وإن كانت قوس قزح تتلون خجلا من طروسه، فياطول ما تتأنق، وإن كانت الرعود تحكي جوانح أعاديه، فيا طول ما تفهق وتشهق، وإن كانت السيول تجري وراء جوده، فيا طول ما تجري على طول المدى وما تلحق؛ والأولى بهذا النوء الباكي أن لا يحاكي، والأليق بهذا الفصل المبغض ألا يتعرض؛ ورحم الله من عرف قدره، وكفى الناس شره، وتحقق أن مولانا في هذا الوجود ندرة.
فأجبته: وقف لمواقع القلم الشريف ووقف عليه، وتيمن بمجرد إقباله إليه، وقبّلة لقرب عهده بيديه، وعدّه لجلاء المرّة لما أمرّه على عينيه، لا برح الشهد من جني ريقه