إلى ذلك التنازع، وقد أشير إلى هذا في مواضعه، غير أنّ الغالب على المادة الشعرية هو التوثيق، ونسبة الشعر إلى أصحابه بشكل دقيق.
٥- يقدّم العمري بين يدي الترجمة قطعة من إنشائه يكون الشاعر المترجم له محوره، وتخلو تلك القطع في الأغلب من أيّ مادة معرفية من الممكن الإفادة منها في تتّبع مراحل حياة الشاعر، أو تطورّه الفكري والروحي، ولعلّ هذا الأمر يؤكّد ما ذهبنا إليه سابقا من حيث اهتمام المصنّف بالشعر لا بالشاعر، فهو غير معنيّ بتفاصيل حياة الشاعر، وثقافته وشيوخه، وأسفاره، كما عهدنا في كتب التراجم الأخرى، فغاية وكده منصبّة على الإبداع وحده يريد أن يقدّم منه الكثير.
٦- يسرف العمري بشكل لافت للنظر في إضفاء نعوت المديح على الشعراء. ويكيل لهم الأوصاف كيلا، ويبالغ كثيرا في حديثه عنهم، فهذا رأس وغيره ذيول، وهذا ذو نظم زاهر، ورقم باهر، والثالث بلغ فهمه مغار الكواكب فهو يساقطها، أمّا الرابع فهو في الصناعتين كما تماثل الوشيان، وكما تقابل في الحسن شيئان، والخامس مثله فقد جلّى فسمّي سابقا، فكان اسمه لمسماه مطابقا، وتستمرّ القطع على هذا المنوال، ولعلّه متأثر بمن سبقه من كتّاب التراجم الأدبية، وخصوصا الثعالبي في اليتمية، فقد نهج هو الأخر هذا النهج، وهو بمجمله يشير إلى ذوق العصر، ويومي إلى ما شاع من أساليب.
٧- من الممكن القول من جهة أخرى أنّ تلك المقدّمات، أو القطع الإنشائية هي أشبه بالخلاصات النقدية المكثّفة التي يحاول العمري فيها جاهدا حصر أهمّ الخصائص، والسمات الموضوعية، والفنية التي تميّز بها الشاعر وشعره، ولم نصل إلى هذه النتيجة بغير القراءة المتريّثة لتلك المقدمات. وتأمّل مضامينها، فالقراءة العجلى لن تنتج سوى انطباع أنّها أمشاج من حياة الشاعر بشكل سريع خاطف أفرغ في تصنّع لفظي مقصود، بيد أنّ القراءة الواعية بإمكانها أن تزيل ذلك الغبش الذي ران على الترجمات، وتكشف عن فوائد نقدية ليست بالقليلة.