ثمّ قال، أعني الثعالبي «١» : وليس اليوم مجالس الدرس أعمر بشعر أبي الطيب من مجالس الأنس، ولا أقلام كتّاب الرسائل أشغل به من كتب المؤلفين والمصنفين، وقد ألّفت الكتب في تفسيره، وحلّ مشكله وعويصه، وكسرت الدفاتر على ذكر جيّده وردّيه، وتكلّم الأفاضل في الوساطة بينه وبين خصومه، والإفصاح عن أبكار كلامه وعونه «٢» ، وتفرّقوا فرقا في مدحه، وذمّه، والقدح فيه والنصح عنه، والتعصّب له وعليه، وذلك أدلّ الدلائل على وفور فضله، وتقدّم قدمه، وتفرّده عن أهل زمانه بملك رقاب القوافي، ورقّ المعاني، والكامل من عدّت سقطاته، والسعيد من حسبت هفواته، وما زالت الأملاك تهجى وتمدح. وانتهى كلام الثعالبي.
ولعمري لقد أوردها مشتملا، وذاد لها مرعى خضلا، واستصحب الحال في إعجاب الناس به من ذلك الزمان وهلم جرا وإلى الآن حتى بلغت شروحه أربعين شرحا، فمن بين بان له صرحا، وبين مبالغ فيه جرحا، وإنّه لمنقطع القرين، وليث في عرين، ولولا خشية مستدرك لا يدري ما ضمير الشأن «٣» لأضربنا عن انتقاء شعره في هذا الديوان اكتفاء بشهرته في الأذهان، وعملا على أنّه الشمس لا تخفى بكلّ مكان، وإذا كان لا بدّ من الذّكر فمن مخترعه البكر، وأبياتها التي ليس لأحد عليها حكر، قوله في الحكم والآداب والمواعظ:
[الكامل]
الرأي قبل شجاعة الشجعان ... هو أوّل وهي المحلّ الثاني «٤»
٦/فإذا هما اجتمعا لنفس مرّة ... بلغت من العلياء كلّ مكان
ولربّما طعن الفتى أقرانه ... بالرأي قبل تطاعن الأقران