كذا فرقدا الظلماء لمّا تشاكلا ... على أشكلا هذاك أم ذاك أمجد
فزوجهما ما مثله في اتّفاقه ... وفردهما بين الكواكب أوحد
فقاموا على صلح وقال جميعهم ... رضينا وساوى فرقد الأرض فرقد
وما أعدل هذه الحكومة من أبي اسحاق، فما منهما إلّا محسن يخطب في حبل الإبداع ما أراد، ويكاثر محاسنه وبدائعه الأفراد، وقد ذكرت ما شجر بينهما وبين السريّ من دسّ أشعارهما في شعر كشاجم. وكان أفاضل أهل الشام والعراق إذ ذاك فرقتين إحداهما في شقّ الرجحان تتعصّب عليه لهما ما رزقاه من قلوب الأكابر والملوك. والأخرى تتعصّب له عليهما. انتهى كلام الثعالبي.
وهذا وقت الإثبات لما نختار لهما من الأبيات، ونبدأ بأبي بكر كما بدأ به الثعالبي، لأنّه الأكبر، فمن شعره، وقوله:[الطويل]
دم المجد أجراه الطبيب وعصّبت ... على ساعد العلياء تلك العصائب «١»
لئن لاح في عضد الأمير نجيعه ... غداة جرت في الطست منه سبائب «٢»
فلا غرو للصمصام أن مسّ حدّه ... دم وهو مصقول الغرارين قاضب
وليث الشّرى لا تنكر العين أن ترى ... براثنه مخضوبة والمخالب
وقوله يصف دارا:[الوافر]
غدت دار الأمير كما روينا ... من الأخبار عن حسن الجنان «٣»
علت جدرانها حتى لقلنا ... سيقصر عن مداها الفرقدان
وجال الطّرف في ميدان صحن ... يردّ الطّرف دون مداه وان