قلت: ومهيار معدود من الكتّاب إلّا أنّني لم أذكره فيهم، لأنّني لم أقف له إلّا على الشعر العالي على الشّعرى مرقى بيوته، الباقي بقاء النّجم دوام ثبوته، وقد قال فيه الباخرزي «١» : هو شاعر له في مناسك الفضل مشاعب، وكاتب تتجلّى تحت كلّ كلمة من كلماته كاعب، وما في قصيدة من قصائده بيت تتحكّم عليه (لو) و (لا) و (ليت) فهي مصبوبة في قوالب القلوب، وبمثلها يعتذر الزمان المذنب من الذنوب.
وقد اختار ابن الصيرفي «٢» ديوانه، وأثنى عليه في ذلك ثناء أذكر عنوانه، قال يعني نفسه في اختياره واقتصاره على الجيّد من مختاره، وأدّاه سعيه الآن إلى أن يعتمد على شاعر يتخيّر من إحسانه، ويتفسّح في ميدان ديوانه، ورأى أنّ أغزر الشعراء فتونا، وأكثرهم غررا وعيونا مهيار بن مرزويه الديلمي وله ما يستدعي ضروب الافتنان والطرب، ويزيد به على أكثر من هو عريق في العرب، على أنّه قد حكى أنّ أصل الديلم من بني ضبّة، وأنّ هؤلاء الضبّيين هم الذين افتضّوا عذرة السكنى في بلادهم، ثمّ قال بعد تاريخ ذكره: فأمّا مهيار فإنّ كثيرا من الشعراء يعترفون بقصورهم عنه فيما يقرضونه، وجماعة من العلماء يبالغون فيما يصفونه به ويقرّظونه إلّا أنّ صحيح شعره لا يوجد قلّة ولا تعذّرا، والنسخ المرضيّة منه عزيزة حتى إنّها لا تكاد ترى. ثمّ قال إنّه وقف على جزء من ديوانه عليه بخطّ أبي الحسن الصقلّي. قال علي بن عبد الرحمن:/ ٢٩٥/ما نعرف مقدار ما وهب لأبي الحسن مهيار من صناعة النظم إلّا من تبحّر في شعره ووقف على ما فيه من التصرّف وحسن الاختراعات، وصحة التشبيه، ولطف التخلّص، وبعد المرامي مع حلاوة لفظ، وجزالة معنى ورصف وتطرف يخلطه بأساليب عشّاق العرب وينافر به عجزفية العجم.