مواضعه وأوقعوه في غير مواقعه. ولو نظر الطاعن كلامه بعين الرضا وأغمد سيف الحسد من عليه انتضى لأوسع له صدرا وشرح واستحسن ما ذمّ ومدح، لكن جرى الزمان على عاداته في مطالبة أهل الفضل بترّاته وقصدهم بإساءاته، فسلّط عليهم أبناءه وجعلهم أعداءه فقصدوه بالطعن والإساءة واللبيب مقصود والأديب عن بلوغ الغرض مصدود وكلّ ذي نعمة محسود. ومن سلك في الفصاحة مسلكه وأدرك من أنواع العلوم ما أدركه، وقصد في كتبه الغريب وأودعها كلّ معنى غريب كان للطاعّن سبيل إلى عكس معانيها وقلبها وتحريفها عن وجوهها المقصودة وسلبها «١» . ألا ترى إلى كتاب الله العزيز المحتوي على المنع والتجويز الذي لا يقبل التبديل في شيء من صحفه ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه كيف أحال جماعة من أرباب الأقاويل تأويله إلى غير وجه التأويل فصرفوا تأويله إلى ما أرادوا فما أحسنوا في ذلك ولا أجادوا، فما ظنّك بكلام رجل من البشر ليس بمعصوم إن زلّ أو عثر،/ ٣١٧/وقد تعمّق في فصيح الكلام وأتي من اللغات بما لا يتيسّر لغيره ولا يرام، وأودعها في كلامه أحسن إيداع وأبرزها في النظم البديع والأسجاع، وإذا قصده بعض الحساد فحمل كلامه على غير ما أراد، وقد وضع أبو العلاء كتابا وسمه بزجر النابح «٢» أبطل فيه طعن المزري عليه والقادح، وبيّن فيه عذره الصحيح وإيمانه الصريح ووجه كلامه الفصيح، ثمّ أتبع ذلك بكتاب وسمه بنجر الزّجر بيّن فيه مواضع طعنوا بها عليه بيان الفجر فلم يمنعهم زجره ولا اتّضح لهم عذره بل تحقّق عندهم كفره، وأصرّوا على ذلك