وداموا وعنّفوا من انتصر له ولاموا، وقعدوا في أمره وقاموا، فلم يرعوا له حرمه ولا أكرموا علمه ولا راقبوا فيه إلّا ولا ذمّه، حتى حكوا كفره بالأسانيد وشدّدوا في ذلك غاية التشديد وكفّره من جاء بعدهم بالتقليد فابتدرت دونه مناضلا وانتصبت عنه مجادلا وانتدبت لمحاسنه ناقلا. وذكرت في هذا الكتاب مولده ونسبه وتحصيله للعلم وطلبه ودينه الصحيح ومذهبه، وورعه الشديد وزهده واجتهاده القويّ وجدّه وطعن القادح عليه وردّه ودفع الظلم عنه وصدّه. انتهى كلام الصاحب كمال الدين ابن العديم في صدر تأليفه، ثمّ أخذ يقصّ أخباره، ويستقصي آثاره، وأنا ذاكر ما حكاه نكتا أختصرها، وأقتصر مما أورده على لطائف ألخّصها بعبارة تحصرها.
أمّا بلده فمعّرة النعمان بها ولد، والصحيح أنّها تنسب إلى النعمان بن بشير الأنصاري، وكان واليا على حمص وقنسرين في ولاية معاوية، وابنه يزيد. ومات للنعمان بها ولد، وجدّد عمارتها فنسبت إليه. وكانت تسمّى ذات القصور.
وأمّا نسبه فمن تنوخ، وأمّا بيته فسادة لهم/ ٣١٨/في الفضل رسوخ غير منسوخ منهم قضاة الأمة والفضلاء الأئمة، والعلماء أصحاب العلوم الجمّة، والأدباء المنطقون بالحكمة، والشعراء الذين اغتصبوا البحر درّه، والفلك نجمه والخطباء أهل الورع والأثبات الذين أحبّوا السّنة، وأماتوا البدع ممّن لا يتسّع التأليف لإحصائهم، وحصر أسمائهم، وإنّما نحن بصدد ذكر أبي العلاء على التخصيص، والإشادة من مجده بما يكاد أن يلحق بشواهد التنصيص.
قرأ القرآن العظيم بالروايات على جماعة من الشيوخ، وتوسّع في اللغة والنحو، ورحل إلى بغداد في طلب العلم، وروى الحديث وخرّج من حديثه سبعة أجزاء رويت عنه، وفي بعض رسائله يقول: وأحلف ما سافرت أستكثر من النشب، ولا أتكثّر بلقاء الرجال، ولكن آثرت الإقامة بدار العلم فشاهدت أنفس ما كان لم يسعف الزمن بإقامتي فيه. وأخذ عنه خلق لا يعلمهم إلّا الله كلّهم قضاة، وأئمة، وخطباء، وأهل تبحّر وديانات، واستفادوا منه،