للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يذكره أحد منهم بطعن، ولم ينسب حديثه إلى ضعف ولا وهن. وكان له أربعة من الكتّاب المجودين في جرايته وجاريه يكتبون عنه ما يكتبه إلى الناس، وما يمليه من النظم والنثر، والتصانيف، والإجازات، والسماع لمن يسمع منه ويستجيزه، وغير هؤلاء من الكتّاب الذين يغيبون ويحضرون منهم جماعة من بني هاشم «١» ، وله رسالة تعرف برسالة الضّبعين كتبها إلى معزّ الدولة ثمال بن صالح يشكو إليه رجلين كانا يؤلّبان عليه، وقد حرّفا بيتا من لزوم ما لا يلزم قال فيها: وفي حلب حماها الله نسخ من هذا الكتاب بخطوط قوم ثقات يعرفون ببني أبي هاشم أحرار نسكة، أيديهم/ ٣١٩/بحبل الورع متمسكة جرت عادتهم أن ينسخوا ما أمليه وإن أحضرت ظهرت الحجّة بما قلت فيه.

واتّفق يوم وصوله إلى بغداد موت الشريف الطاهر يعني أبا أحمد الحسين بن موسى والد الشريفين: الرضي والمرتضى فدخل أبو العلاء إلى عزائه والناس مجتمعون، والمجلس غاص بأهله فتخطّى بعض الناس، فقال له بعضهم ولم يعرفه: إلى أين يا كلب؟ فقال:

الكلب من لا يعرف للكلب كذا وكذا اسما، ثمّ جلس في أخريات المجلس إلى أن قام الشعراء، وأنشدوا فقام أبو العلاء، وأنشد قصيدته التي أوّلها:

أودى فليت الحادثات كفاف ... مال المسيف وعنبر المستاف

يرثي بها الشريف المذكور فلمّا سمعه ولداه الرضي والمرتضى قاما إليه، ورفعا مجلسه، وقالا له: لعلّك أبو العلاء المعري؟ قال: نعم، فأكرماه واحترماه.

ثم إنّ أبا العلاء بعد ذلك طلب أن تعرض عليه الكتب التي في خزائن بغداد فأدخل إليها وجعل لا يقرأ عليه كتاب إلّا حفظ جميع ما يقرأ عليه.

وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة أو اثنتي عشرة سنة.

وقيل له: بم بلغت هذه الرتبة في العلم؟ فقال: ما سمعت شيئا إلّا حفظته، وما حفظت شيئا فأنسيته.

<<  <  ج: ص:  >  >>