للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحكى عنه تلميذه أبو زكريا التبريزي أنّه كان قاعدا في مسجده بمعّرة النعمان يقرأ عليه شيئا من تصانيفه قال: وكنت قد أتممت عنده سنتين ولم أر أحدا من بلدي، فدخل مغافصة «١» المسجد بعض جيراننا للصلاة، فرأيته وعرفته، وتغيّرت من الفرح فقال لي أبو العلاء: ما أصابك؟ فحكيت له أنّي رأيت جارا بعد أن لم ألق أحدا من بلدي منذ سنتين فقال لي: قم وكلّمه، فقلت: حتى أتّمم السّبق «٢» . فقال: قم، أنا أنتظرك، فقمت وكلّمته بالأذربيجية شيئا كثيرا، إلى أن سألت عمّا أردت، فلمّا فرغت،/ ٣٢٠/وقعدت بين يديه قال لي: أيّ لسان هذا؟ قلت لسان أهل أذربيجان، فقال: ما عرفت اللسان ولا فهمته، غير أنّي حفظت ما قلتما، ثم أعاد لفظنا بلفظ ما قلنا. فجعل جاري يتعجب غاية التعجّب، ويقول: كيف حفظ شيئا لم يفهمه!

وقال هبة الله بن موسى: كنت أسمع من أخبار أبي العلاء، وما أوتيه من البسطة في علم اللسان ما يكثر تعجّبي منه، فلمّا وصلت المعرة قاصدا الديار المصرية لم أقدّم شيئا على لقائه، فحضرت إليه ومعي أخي، وكنت بصدد أشغال يحتاج إليها المسافر، فلم أسمح بمفارقته والاشتغال بها، فتحدّث معي أخي حديثا باللسان الفارسيّ، فأرشدته إلى ما يعمله فيها، ثمّ غدوت إلى مذاكرة أبي العلاء، فتجاذبنا الحديث، إلى أن ذكرت ما وصف به من سرعة الحفظ وسألته أن يريني من ذلك ما أحكيه عنه، فقال: خذ كتابا من هذه الخزانة القريبة منك فاذكر أوّله، فإنّي أورده عليك حفظا، فقلت كتابك ليس بغريب إن حفظته، قال: قد دار بينك وبين أخيك كلام بالفارسيّة، إن شئت أعدته عليك، قلت: أعده.

فأعاده وما أخلّ والله منه بحرف، ولم يكن يعرف اللّغة الفارسيّة.

وكان لأبي العلاء جار أعجميّ بمعرّة النعمان، فغاب في بعض حوائجه، فحضر رجل غريب أعجميّ مجتاز، قد قدم من بلاد العجم، فطلبه، ولم يمكنه المقام، وهو لا يعرف اللّسان العربيّ. فأشار إليه أبو العلاء أن يذكر حاجته إليه. فجعل يتكلّم بالفارسيّة وأبو

<<  <  ج: ص:  >  >>