للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلاء يصغي إليه، إلى أن فرغ من كلامه وهو لا يفهم ما يقول، ومضى الرجل، وقدم جار أبي العلاء العجميّ الغائب، وحضر عند أبي العلاء، فذكر له حال الرّجل وطلبه له، وجعل يعيد عليه ما قال بالفارسيّة، والرجل يستغيث ويلطم على رأسه، إلى أن فرغ أبو العلاء.

وسئل عن حاله، فأخبرهم أنه أخبر بموت أبيه وإخوته وجماعة/ ٣٢١/من أهله. أو كما قال.

ومن ذكائه وحفظه، أنّ جارا له سمّانا كان بينه وبين رجل من أهل المرّة معاملة، فجاءه ذلك الرّجل، ودفع إليه السّمّان رقاعا كتبها إليه يستدعي فيها حوائج له. وكان أبو العلاء في غرفة مشرفة عليهما، فسمع أبو العلاء محاسبة السّمّان له، وأعاد الرّجل الرّقاع إلى السّمّان. ومضى على ذلك أيام، فسمع أبو العلاء ذلك السّمّان وهو يتأوّه ويتململ، فسأله عن حاله، فقال: كنت حاسبت فلانا برقاع كانت له عندى، وقد عدمتها، ولا يحضرني حسابه. فقال: لا عليك، تعال إليّ، فأنا أحفظ حسابكما. وجعل يملي عليه معاملته جميعها وهو يكتبها، إلى أن فرغ وقام. فلم يمض إلا أيام يسيرة، فوجد السّمّان الرقاع وقد جذبتها الفأر إلى زاوية في الحانوت، فقابل بها ما أملاه أبو العلاء، فلم يخط في حرف واحد.

ولمّا دخل إلى بغداد أرادوا امتحانه، فأحضروا دستور الخراج الذي في الديوان، وجعلوا يوردون ذلك عليه مياومة وهو يسمع، إلى أن فرغوا. فابتدأ أبو العلاء، وسرد عليهم كلّ ما أوردوه عليه.

وسمع أهل حلب بذكائه وهو صغير، فسافر جماعة من أكابرهم إلى معرّة النعمان لمشاهدته، وسألوا عنه، فقيل لهم: هو يلعب مع الصبيان، فجاءوا إليه وسلّموا عليه، فردّ عليهم السلام، فقيل له: هؤلاء جماعة من أكابر حلب أتوا لينظروك ويمتحنوك، فقال لهم: هل لكم فى المقافاة «١» بالشّعر؟ فقالوا: نعم. فجعل كلّ واحد منهم

<<  <  ج: ص:  >  >>