ينشد [بيتا]«١» وهو ينشد على قافيته، حتّى فرغ حفظهم بأجمعهم وقهرهم، فقال لهم:
أعجزتم أن يعمل كلّ واحد منكم بيتا عند الحاجة إليه على القافية التى يريد؟ فقالوا له:
فأفعل أنت ذلك. فجعل كلّما أنشده واحد منهم بيتا أجابه من نظمه على قافيته، حتّى قطعهم كلّهم، فعجبوا منه وانصرفوا.
٣٢٢/ومرّ في طريقه إلى بغداد وهو راكب على جمل بشجرة، فقيل له: طأطئ رأسك، ففعل. وأقام ببغداد ما شاء الله، فلما عاد اجتاز بذلك الموضع وقد قطعت تلك الشجرة، فطأطأ رأسه، فسئل عن ذلك فقال: ها هنا شجرة. فقيل له: ما ها هنا شئ.
فقال: بلى. فحفروا ذلك الموضع، فوجدوا أصلها.
وقيل لبعض أمراء حلب: إنّ اللغة التى ينقلها أبو العلاء إنّما هى من" الجمهرة"، وعنده منها نسخة ليس في الدنيا مثلها، وأشاروا عليه بطلبها منه، قصدا لأذاه. فسيّر أمير حلب رسولا إلى أبي العلاء يطلبها منه، فأجابه بالسّمع والطاعة، وقال تقيم عندنا أيّاما حتّى تقضي شغلك. ثمّ أمر من يقرأ عليه كتاب الجمهرة، فقرئت عليه حتّى فرغوا من قراءتها، ثم دفعها إلى الرسول [وقال له]«٢» : ما قصدت بتعويقك إلا أن أعيدها على خاطرى، خوفا من أن يكون قد ند منها شئ عن خاطري. فعاد الرسول وأخبر أميره بذلك، فقال:
من يكون هذا حاله لا يجوز أن يؤخذ منه هذا الكتاب، وأمر بردّه إليه.
وكان له محلّ عال عند الملوك، يقبلون عليه، ويقبلون شفاعته، ويعظّمون قدره. وله كرم، لو ملك الدنيا لبذلها. وفيه مناقب، نقول ولا نحاشي «٣» : إنه كان أكثرها أفضلها.
ومن أشعاره التى سيّر في الأرض مثلها، قوله في النسيب والغزل:[البسيط]