وزر للمروانيين ملوك ديار بكر وزارة ناطت نجاديّ سيفها بلواء، ووادي سيبها بكشف لأواء، وترسّل إلى خلفاء مصر «١» فنزل بذلك القبيل، ومسح جناح الفرات بالنيل، ورجع إلى مرسله أحسن مرجع، وأخصب به ثرى رائده بأكرم مستنجع. وكان في الدولة المروانية حيث لا مثل له في أولاها، ولا نصل أمضى من قلمه في المناضلة عن علاها/ ٤٠٠/حتى كانت به في بعد اللّمس كأنّها دولة بني مروان الأولى من بني عبد شمس، فقام في دولة المروانيين مقام عبد الحميد «٢» عند مروان، أو رجاء بن حيوة «٣» عند عبد الملك في ذلك الأوان إلّا أنّه تأخّر عن ذلك العصر، وجاء بما يجيء به من مذهبات الألوان، وكان لا يعبأ بذي همم، ولا يعيا بجدال رمح يتشاوس موهما أنّه في أذنه صمم، ولا بحجّة سيف شامخ المضارب في عرنينه شمم، وله إدلال بشعره، وإذلال بنظمه الدرّ على غلّو سعره.
ومن بدائع نظمه الذي لا تساقط مثله النجوى ولا تريق شبيهه على خدود الحبائب دمعة الشكوى، قوله يخاطب أبا العلاء، وقد فاوضه في شيء فأعجبه كلامه:[البسيط]
لله لؤلؤ ألفاظ تساقطها ... لو كنّ للغيد لاستأنسن بالعطل
ومن عيون معان لو كحلن بها ... نجل العيون لأغناها عن الكحل
سحر من اللّفظ لو دارت سلافته ... على الزمان تمشّى مشية الثّمل
ومنه قوله في ولد له توفّي ولم يكن له غيره:[الطويل]
أطاقت يد الموت انتزاعك من يدي ... ولم يطق الموت انتزاعك من صدري