للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمري رشدا، وثمّر لي من طول معاناة المخض زبدا، وتحقّق لي كلّ ظن بما تجمّع لي من كل فنّ، فكأنّ الأرض ذلّلت لي على امتناع جوانبها، فمشيت في مناكبها، وزويت لي الفضلاء من مشارقها ومغاربها، وكأني في تخليد آثارهم وتجديد الدارس من آثارهم، قبلّي من اللواقح السواحب، ذيولها على الأرض الخاشعة إحياء لمواتها أو ربعي من السوافح النوافخ في صور رعدها على الرّوضة الهائجة إنشارا لنباتها. فلله سلّم فيه ارتقيت وأعيان بهم التقيت، ونجوم بأيّهم اقتديت اهتديت، وإن لم يتيسّر الوصول إليها والفراغ/ ٤٢٤/منها، إلّا وقد وخط القتير، وطلع النذير، وانضمّ الخيط الأبيض من الفجر إلى الخيط الأسود من الشّعر، فخلّى الفود مشتعلا والفؤاد مشتغلا، وأضاف الذّود إلى الذود فصارت إبلا.

ومنه في تقريظه لبعض من لقيه «١» :

عهدته بها وبنانه ضرّة المزن في السخاء، ولسانه خليفة السيف في المضاء.

فهؤلاء سادات من عظام الصّدور وصارت صدورهم عظاما، وكبار من هامات الرءوس أطارت رؤوسهم هاما: [الطويل]

ربا حولها أمثالها إن أتيتها ... قرينك أشجانا وهنّ سكون.

وقد بعثرت من دفائنهم ما تعظم أخطاره عند أولي المروءة، وملكت من خزائنهم ما إنّ مفاتيحه لتنوء بالعصبة أولي القوّة ثم نقف منهم على أطلال الماضين نترسّمها، ولا نكاد نعيّنها إلّا أواريّ «٢» لأيا ما أبيّنها، فنباكي حمام الأيك شجوا، ونصوغ على وزان أسجاعها شدوا.

ومنه

وما أشبّه ذلك الفاضل إلّا بخصب ورثناه في رحالنا من أمداد سيول غاضت فعشنا في معروفها بعد غيضها، أو بعنبر دسره «٣» إلى سواحل أمصارنا أمواج بحور فاضت فتلّهفنا

<<  <  ج: ص:  >  >>