على فوات فيضها، فأصبح كلّ منهم ممتلئ الصّرة على فراغ الجنان مثنيّ الحقيبة على سكوت اللسان، فهي الرتبة العالية قرّبت درجاتها للمرتقين، والجنة العاجلة أزلفت طيّباتها للمتقين.
ومنه:
وهذا حين أسوق صدر الكتاب إلى العجز، كما يساق الماء إلى الأرض الجرز. وكنت على ألّا أوارد الثّعالبيّ في يتيمته، ولا أزاحمه في كريمته، إلّا ما تجذبني شجون الأحاديث إليه، فأفرغ كلامي عليه. ممّن رأيته فكان لقاؤه لعيني كحلا، أو سمعت به فكانت أخباره/ ٤٢٥/لسمعي نحلا، ولولا تكرار الكؤوس لما استقرّت الأطراب في النفوس، ولا استقلّت صبابة الخمار عن الرءوس، والحياة على حسن مساقها وطيب مذاقها ما جاوزت النّفس إلا ودّت معاده، وحبّها لكلّ من الحيوانات عادة. حتى إنّها لا تملّ إذا كرّرت عليها، ولا تكره إذا ردّت إليها، فإنّ في الزّوايا منهم بقايا، قد أرخي لهم إلى عصرنا هذا طول البقاء، وبقي ممّا أسأرته «١» شفاه الفناء، صبابة في قعر الإناء، وأنا إذا على ذكر شعراء العصر جريدة فريدة، ثم انتهيت إلى مكانهم منها، فأسقطت شذورهم من النّظام، وطفرت إلى من وراءهم طفرة النظّام، لمن آمن أن يقال: هذا رجل ضيق العطن، قصير الشّطن، قليل الثّبات، نزق الوثبات، يتخطّى رقاب الأحياء إلى رفات الأموات والوجه يملكه الحياء، وما يستوي الأموات والأحياء.
ومنه:
وألّا أستعير من تلك الحقائق حليّا، ولا أن أرعى من تلك الرّياض خليّا، وأقتصر من ذلك الأديم على مقدود من السّير، وأسلو بغثيّ عن ثمين الغير، فالضّرغام على اقتضاض مضجعه من الرّغام، لا يفترش غير إهابه عند المنام، وسينقل إليك من فرائد أشعارهم من جوّد نقلها أو لم يجوّد، ويأتيك بنوادر أخبارهم من زودته أو لم تزوّد. وما كلّ من نشر