الأخلاق، بهجاء لا يخلص منه إنسان، ولا يخلو ربّ سيف ولا طيلسان. هذا مع كلمة بتصريف الأمر مقبولة، وعظمة على الكبر مجبولة، وهمّة نصبها على نقع في شركه، وأحبولة تعرض إلى العرض الفاضليّ.
واشتغل به زمانه، وأشعل بيانه بنانه. فما قال لكلبه أخسّه إذ نبح، ولا التفت إليه هجاء أو مدح. وتصدّى لأهل دمشق تصدّيا، أدوى قلوب الجميع، وآرى أذن كلّ سميع، فقاموا لمقاومة سمّه، ومقاحمة تمّه، فآل به الحال إلى الهجاج، واختراق الفجاج، فتغلغل في البلاد، ومني بالبعد عن موضع الميلاد.
وطاف الحجاز، واليمن، والهند، والسّند، وما وراء النّهر، وخراسان، وبلاد العجم، والعراق، مذبذبا في مهامهها الفساح، راكبا على كفل الليل وهادي الصّباح.
وكان على بعد الديار لا ييأس من روح الاقتراب، على طول الاغتراب. ومع هذا، لا تنجلي عن أهل دمشق غيابته، ولا تنجلي غوايته، بل يصبّ عليهم وبله، ويصيب فيهم نبله، ومن ذلك قوله:«١»[الكامل]
فعلام أبعدتم أخا ثقة ... لم يجترم ذنبا ولا سرقا
انفوا المؤذّن من بلادكم ... إن كان ينفي كلّ من صدقا
على أنه ما ذكر دمشق إلا ضاقت ضلوعه بزفراتها، وفاضت عيونه بعبراتها.
(٦٦) وله في هذا أشعار لم يقصّ لها جناح، ولم يقصر بها ارتياح.
ثمّ إنّه ما سكن له قلق، ولا سلب عن جفنه أرق، حتى أزيلت عن العود إليها موانعه، وأزيحت أسباب من كان لا يصانعه. ثم لما استقرت به الدار، وبها لم يدع أهلها من بوائقه، ولم يعد إلا وقد أذنت بقدومه جعجعة صواعقه. ومنها