الرّكائب بردا ولا هجيرا. يعمل مطيّه على وجاها، ويعمل لما زاده رتبة وجاها «١» ، لأدب رقّ كالخدّ سلسله، وخطّ حسن كالصّدغ مسلسله، وشعر كان فيه مطبوعا لا يتكلّف، ومتبوعا لا تجد عنه من يتخلّف. وأغري بالتورية والاستخدام، وأتى منهما بالماء والمدام، فألقى على الناس منه محبّه، وملك القلوب فلم يدع منها حبّه، فأخمل شعراء الشام والعراق، وضمّ اللطائف (١٣٥) ضمّ السّاعد للعناق. وطالما بات ليالي لا ينقاد لوسن، ولا يرتاد إلّا سهل الكلام لكنه الحسن.
وكان يعدّ في حماة من حماتها، وممن تفلق به الدّروع قلوب كماتها.
وصحب ملوكها الطّيّبين بحارا، وأمسى لهم في جانب الفرقدين جارا، فبلغ به جودهم فوق همّاته، وغادروه الدهر شاكرا لحماته. وله معهم أخبار يطول شرحها، ويحول سرحها. حكي أنّ الملك المنصور استدعاه في ليلة غفل رقيبها، وحضر ربيبها، وسحبت من الذّوائب ضفائرها، وسجنت من بيض الأيام ضرائرها، إلى مجلس من خزف، وفواكه لم تحرف. وأمامه جدول قد خرّ ماؤه فتكسّر، وأنّ عليه كل بارق وتحسّر. والكؤوس دائره، والشّموس في أيدي البدور سائرة. فلما رأى الجدول، وقد أصابته من العين نظرة فتعثّر، وسقط عقد لؤلؤه فتنتّر، نظر إليه، وقال:[الكامل]
يا حسنه من جدول متدفّق ... يلهي برونق حسنه من أبصرا
ما زلت أنذره عيونا حوله ... خوفا عليه أن يصاب فتعثرا
فأبى وزاد تماديا في جريه ... حتّى هوى من شاهق فتكسّرا
فسرّ المنصور بأبياته، وأحبّ استطلاع خبايا بناته، وأمره بالجلوس إليه، وجعله أرفع القوم مجلسا لديه. ثم لم يستقرّ به المكان، ولا قعد واستكان، حتى