تحرّك المجلس لغلام ورد، كأنما تبسّم عن برد، فقال له المنصور بصوت يخفيه، ما تقول فيه، فقال:[الخفيف]
بأبي أهيف تبدّى وحيّا ... بابتسام عدمت منه اصطباري
فأراني بوجهه وثنايا ... هـ نجوما طلعن وسط النّهار
فقال له سرّا، وقد أسفر وجهه وتسرّى: ألا إنّه شديد النّفار من المدام، ولو قرّع بالملام. فهل تقدر على استلابته، وتسهيل بأسه واستهابته؟. فما قطع المقال، حتى التفت إليه ابن تميم وقال:[الطويل]
أتهجرها صرفا لأجل خمارها ... وذلك شيء لو جرى غير صائر
(١٣٦) فلا تخش من داء الخمار وعاطها ... «هنيئا مريئا غير داء مخامر»
فكاد الغلام يسطو عليه سطوة العائث، وقال له كالعابث: وما هذه؟
فقال:[السريع]
صفراء لو لاحت لشمس الضّحى ... من قبل أن تطلع لم تطلع
أحسن ما في وصفها أنّها ... لم تجتمع والهمّ في موضع
فقال: بل أشرب خيرا منها، وأدعو «١» للنهي عنها. ثم أتى بركة، فغبّ في مائها، وأرى وجهه خيال قمره في سمائها، فقال:«٢»[الكامل]
أفدي الذي أهوى بفيه شاربا ... من بركة راقت وطابت مشرعا
أبدت لعيني وجهه وخياله ... «فأرتني القمرين في وقت معا»
ثم لم يزل به حتى شرب، ولذّ معه عامّة ليلته وطرب. فلما طلع ابن ذكاء، وأنار الصّبح وأضاء، شكر له المنصور حلّ عقدة الغلام، وقال: مثلك من سحر