للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكأنّما كتب العذار بخطّه ... سطرا بحبّات القلوب ونقّطا

فأجزل له الصّلة، وإن لم تكن عوائده منفصلة.

وحكي أنه طلبه في أخريات عصر غربت شمسه، وكاد يتساوى يومه وأمسه. وبثّ الرّسل في طلبه من كلّ صوب، وتوقّع أوبته من كل أوب، إلى أن توقّد في فحم الدّجى جمر الشّفق، وأهزلوا الجوزاء وخفق. فلم يوجد في ناحية، ولا رئي في عشيّة ولا ضاحية. فلما انشقّ جيب الظلام، واشتعل في المشرق وثيب الضّرام، ألفي في بستان، نائي المكان، نائي السّكان. قد خلا فيه بنفسه منفردا، وبقي فيه فردا مثل السيف مجرّدا. فأخبر بحاله، وأحضر إليه على حاله، فأمر أن يسقى مداما، ثم أوسعه ملاما، فقال: [الكامل]

من كان يرغب في حياة فؤاده ... وصفائه فلينأ عن هذا الورى

فالماء يصفو ما نأى فإذا دنا ... منهم تغيّر لونه وتكدّرا

وحكي أنه خرج والرّبيع قد غشيت أنديته، وقتيل المحل قد أديت ديته، حتى خيّم بروضة أطال إليها الخبب والإيضاع، وأودعت النّسيم طيبها فضاع، وبها دولاب تذر مآقيه، ويسرّ مدير كأسه وساقيه، قال فيها: «١» [الطويل]

أيا حسنها من روضة ضاع نشرها ... فنادت عليه في الرّياض طيور

ودولابها كادت تعدّ ضلوعه ... لكثرة ما يبكي بها ويدور

فبينا هو على تلك الوسائد، وفي خدمه من قائم الشجر تلك الولائد. فلما أمست مسكة الليل من بأرضه، وصاغ النجم له خاتما من فضة، أخذته (١٣٩) إغفاءة كإغفاءة المناصل، أو أخذ المدام بأطراف المفاصل. فرأى فيما يراه النائم

<<  <  ج: ص:  >  >>