للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنصور: لو قلت هذا شعرا لكان أحسن. فقال: [الطويل]

يقولون لم نعهدك في الحبّ آخذا ... شريكا ولا مستأنسا بصديق

فقلت طريق الحبّ أصعب مخطرا ... مخوفا فلم يسلك بغير رفيق

فقضى معه ليلة لم ير مثلها ابن حجر في لياليه الغرّان، ولا ابن بحر عند ابن الخيزران.

وحكي أنّه استدعاه في صبيحة يوم أبيض، ونور بات ياسمينه على الأرض ينفض، والثلج قد نثر كافوره، والجليد قد كسر بلّوره، والسحائب قد أضحت ذيولها مجرورة، والبرق قد تلوّن طول ليلته حتى أخرجها من صورة إلى صورة، وأواني الزجاج قد شفّت من وراء مدامها الرّاح، والدّنان قد فكّ عنها ختام فدامها، ورجال الرّاح قد رادت في إقدامها، والسّاقي بعذار كأنّما كتب بالريحان، أو سيّج بالزّمرّد بنت الجان، وتحت عذاره خيلان. قد خبّأت مسكها فزاد تضوّعا، وكثر طيبه تنوّعا. قد بارح نشرها وفاح، وعلم بنقطها في خدّه أنّه قد تمّ وصف التفاح. فلما دخل عليه في بكرة ذلك اليوم الأغر، ورأى الدنيا الضاحكة تفترّ، أنشده: [الكامل]

يا أيها الملك الذي بسطت له ... بالجود كفّ دهرها لم يقبض

دنياك مذ وعدت بأنّك لم تزل ... في نعمة وسعادة لا تنقضي

كان الدليل على وفاها أنّها ... أضحت تقابلنا بوجه أبيض

(١٣٨) فقال له: ما لهذا طلبتك، ولا لأجله خبّأتك، لكن انظر إلى شامات هذا السّاقي تحت عذاره، وقل في أسّه وعذاره. فلم يقل إيها، حتى قال بديها: [الكامل]

ومهفهف خيلانه وعذاره ... قد جاوزا حدّ الجمال فأفرطا

<<  <  ج: ص:  >  >>