وأعجميّ أخرس ناطق ... له لسان مستطاب الكلام
مناجيا في الحجر أربابه ... طورا وفي البيت العتيق الحرام
قلت: ولله مذهبه في هذين البيتين، لو وصف هذا الألمعي العود بأطيب من نغمه وأرجه. وقوله: أعجمي، وصفا له، قول صدق، إذ العود الشجر أعجم لا ينطق، والعود عود الطرب من وضع الأعاجم. ولسان العود هو الذي يحرك به الوتر. وقوله مستطاب الكلام وهو طربه. وقد أتبعه بقوله: ساجيا في الحجر ربّا له، لأنه كان كأنّه يناجي ربه، وهو الضارب به. وقوله: وفي البيت العتيق الحرام، هو العود الهندي. يقال: إن عهد البيت الحرام زاده الله شرفا منه. فاعرف لهذا الرجل حقه، واعلم حذقه.
عدنا (٢٥٩) إلى بقية مختاره. قال في الحشيشة يحسّن قبيحها، ويدّعي تفريحها: «١» [الوافر]
تغانى بالحشيش عن الرّحيق ... وبالورق الجديد عن العتيق
وبالخضراء عن حمراء صرف ... وكم بين الزّمرّد والعقيق
وقال أيضا فيها: «٢» [البسيط]
في الكيس لي عوض عمّا حوى الكاس ... وفي القراطيس عمّا ضمّت الطّاس
وبالجديد غرامي لا معتّقة ... وسواسها في صدور النّاس خنّاس
مدامة ما لها في الرّأس وشوشة ... تطغي النّفوس ولا في الصّدر وسواس
ولا تكلّف نفسا غير طاقتها ... ولا يخاف بها ضرّ وإفلاس
كم بين خمر يخاف الحدّ شاربها ... وخمرة ما على شرّابها باس
ولا نبيت إذا شئنا نعاقرها ... لنا على الباب حفّاظ وحرّاس
حوض الدّواة لها جان ومزودها ... دنّ وكاساتها ظفر وقرطاس
وقال أيضا: «٣» [السريع]
في الكيس لا في الكأس لي قهوة ... من ذوقها أسكر أو شمّها
لم ينه نصّ الذّكر عنها ولا ... أجمع في الشّرع على ذمّها
ظاهرة النّفع لها نشوة ... تستنقذ الأنفس من همّها
فشكرها أكثر من سكرها ... ونفعها أكثر من إثمها
وقال: «٤» [السريع]