قلت: وهذا شعر بديع، ونظم صنيع، ونمط عال رفيع، لا يقدر عليه كل قائل، ولا يحظى معه معارض بطائل. ألا ترى كيف وصف الخط وافتتحه بقوله:
ومعلق! وانظر هذه التورية ما أتمّها وأحسنها وأقواها وأمكنها. ثمّ أتى في البيت كله باستخدام معنوي إذ قال: في قنّب طورا وطورا في حرير! وظاهره على مجرى اللغز، يوهم أنّ شيئا له جسم، علق بخيط حرير، أو حبل قنب، وباطنه يريد الورق. وهو يصنع من هذين (٢٥٨) حيث يعهد الشاعر. وهو إذا حمل على كل من المعنيين صح، وكان تماما موفيا بالمراد. وكذلك قوله في البيت الثاني: ولقد تراه مسلسلا. يجري مجرى قوله: ومعلق. فأما البيت الثالث، فمعناه أكثر من لفظه، وتفهمه أكبر من حفظه. فأما كونه جعله يكون معلقا على الجباه، فهو ما يكتب من التمائم والعوذ، وما هو من هذا النوع. وأما قوله:
وفي البطون وفي الظهور، فكذا يكتب: تارة في بطون الأوراق، وتارة في ظهورها. وهو مع كونه أتى فيه بالحقيقة، لم يعدم فيه رونق المجاز. والبيت الرابع نوع منه آخر. وقوله: وفوق أجنحة الطيور، هو ما يكتب في صغار البطائق على هوادي الحمام الرسائلي. فانظر إلى محاسن ما أتى به، واعجب لإيجازه.
عدنا إليه. قال في دود القز:«١»[الطويل]
وما حيوان عكسه مثل طرده ... له جسد سبط وليس له قلب