أعلام مدينة فقصدناها فوجدنا بها أمة من السودان لما رأونا بيضا عجبوا منا واعتقدوا أنا صبغنا جسومنا بالبياض، فحكّوا جلودنا باللّيف، فلما ظهر لهم أنها خلقة بقي كلّ واحد منهم يتعجب ويتحدثون بذلك بعضهم مع بعض، فأقمنا عندهم فوجدنا غالب أكلهم لحوم الثعابين والحيّات، وهي كثيرة في أرضهم جدا يتصيدونها ويأكلون لحومها ليس بأرضهم نبات ولا مرعى، فأقمنا عندهم مدة حتى خرج منهم ناس إلى بلاد مجاورة لهم في بعض أشغالهم فخرجنا معهم ثم تنقلنا من مكان إلى مكان إلى (أن) وصلنا إلى برّ العدوة.
وحدّثني أبو عبد الله بن الصائغ أن الملح معدوم في داخل بلاد السودان، فمن الناس من يغرر ويصل به إلى أناس منهم يبدّلون نظير كلّ صبرة ملح [مثلها]«١» من الذهب، قال:
وحدّثت أنّ من أمم السودان الداخلة بل لا يظهر لهم «٢» بل إذا جاؤوا وضعوا الملح ثم غابوا فيضع السودان إزاءه الذهب، فإذا أخذ التجار الذهب أخذوا هم الملح.
وحكى لي عيسى الزواويّ قال:
حدّثت أنّ رجلا دخل بملح، ووصل إلى مدينة من مدن كفّار السّودان (قال) فأهديت إلى ملكها شيئا من الملح فقبله وبعث إليّ (٥٠٩) بجاريتين من أحسن السّودان صورة، ثم حضرت عنده بعد أيام فقال: بعثنا إليك بتلك الجاريتين فاذبحهما وكلهما لأنّ لحمهما أطيب ما يؤكل عندنا فلأيّ شيء ما ذبحتهما، فقلت: ما يحلّ هذا عندنا، قال: فأيّ شيء تأكل؟ قلت: لحم البقر والغنم، فبعث ببقر وغنم، قال: وحدّثت أيضا أنّ في بلاد هؤلاء السودان جبلا عاليا لا يمكن الصعود إليه، به أنواع من الفواكه والثمار، ولا سبيل لهم إليها إلا بما ألقت إليهم الرياح مما يتساقط من أوراقها وثمارها.