فرجع النديم إلى سليمان وأخبره بما سمع من جعفر، فتعجب سليمان من حزمه وفطنته ونظره في العواقب، فأمر بإحضاره مرة أخرى بطريق الإجلال، وأقعده إلى جنبه، وخلع عليه خلعة الوزارة، ووضع الدواة بين يديه، حتى وقع بحضور سليمان عدة توقيعات.
فلما أتى على ذلك مدة وانبسط جعفر في خدمة سليمان سأله في بعض الأيام، وقال: كيف عرف أمير المؤمنين السم مع العبد؟ فقال له: معي خرزتان شبيهتان بالجزع لا أفارقهما أبدا، من خاصيتهما أنهما يتحركان من السم إذا حضرتا في مكان فيه سم، فلما دخلت عليّ تحركتا، وحين قعدت بين يديّ اضطربتا، فكانت تقع إحداهما على الأخرى، فلما قمت من عندي سكنتا. ثم أخرجهما وعرضهما على جعفر، وكانتا خرزتين كالجزع.
قلت «١» : أما هذا جعفر بن برمك فمنكور عندي، وإنما جعفر هو ابن يحيى ابن خالد بن برمك، ولم يكن تلك الأيام أبوه موجودا فضلا (١١٠) عنه.
والمشهور أن خالد بن برمك هو الذي خدم بني أمية.
وأما هذا الحجر فلا نعرفه في زماننا، وإنما المشهور أن قرنا يعرف بالخرتون «٢» هو الذي يتحرك للسموم.
وحكى لي والدي: أنه رأى في يد إسماعيل بن العلم ناظر الصاغة نصاب سكين منه. وحكى: أنه كان نصاب سكين عند الصاحب تاج الدين بن حنا.