وقال في موضع آخر قبله: وأما الملح المتولد في البحيرة المنتنة المعروفة ببحيرة الزفت، وهي بحيرة مالحة في غور «١» بلاد الشام، ويسمى ملح سدوم باسم الجبال المحيطة بالبحيرة، وهي بلاد سدوم، فقوته قوة تجفف أكثر من تجفيف سائر أنواع الملح، وهي مع ذلك ملطّفة، وذلك أن هذا الملح قد ناله من إحراق الشمس أكثر مما نال غيره من أنواع الملح، وليس هو مر الطعم فقط، لكنه مر المذاق، وذلك لأن موضع هذه البحيرة موضع غائر تحرقه الشمس «٢» ، وهو لهذا السبب في الصيف أشد مرارة منه في الشتاء، فإن ألقيت في ماء هذه البحيرة ملحا لم يذب، لأن الذي قد خالط ذلك الماء من الملح مقدار كثير، وإن انغمس فيه إنسان تولد على بدنه عند خروجه (١٩٠) منه غبار رقيق من غبار الملح كالسورج «٣» ، ولذلك صار ماء هذه البحيرة أثقل من كل ماء في مياه البحار، ومقدار ثقله على مياه البحار كمقدار ثقل ماء البحر على مياه الأنهار، ومن أجل ذلك إن أنت وقعت في ماء هذه البحيرة ثم رمت أن تغوص فيه إلى أسفل لم تقدر، وإن أنت أخذت حيوانا فربطت يديه ورجليه، وألقيته في ماء تلك البحيرة، لم يغرق ولم يرسب، لكثرة ما يخالط ماء هذه البحيرة من جوهر الملح الذي هو أرضي ثقيل.
وقال ديسقوريدوس: وقوة الملح قابضة تجلو وتنقّي وتحلل وتقلع اللحم الزائد في القروح وتكوي، وقد يمنع القروح الخبيثة من الانتشار، وقد يقع في أخلاط أدوية الجرب. وقد تقلع اللحم النابت [في العين]«٤» وتذيب الظفرة، وقد