المقالة الرابعة من هذا الكتاب «١» ، قولا لا يحتاج معه من كان قد نظر فيه نظر عناية واهتمام إلا إلى التذكرة فقط، فمتى وصفت لك كيفية الملح في المذاقة والطعم وعرفتك «٢» قوته على المكان. ومن شأن الكيفية المالحة أن تجمع وتحل مع «٣» جوهر الجسم الذي تدنو منه.
وإنما (١٨٩) الخلاف بين الملح وبين البورق الإفريقي، أن البورق الإفريقي إنما الغالب عليه طعم واحد فقط، وهو الطعم المر البين فيه، وقوة ما هو من قوة محللة، وليس له قوة تجمع جوهر الجسم الذي يلقاه فيما هو منه رطب، حتى لا تدع فيه شيئا البتة «٤» منه، ويجمع باقي جوهره الصلب بقبضه، ولذلك صار الملح يجفف الأجسام التي تعفن، وإنما تعفن من قبل رطوبة فيها فضل، وجوهرها جوهر منحل غير كثير «٥» ، وبهذا السبب صارت الأجسام التي فيها رطوبة فضل بمنزلة العسل الفائق، والأجسام التي جرمها كبير «٦» ، بمنزلة الحجارة ليس يمكن أن تعفن. والملح بهذا السبب ليس يمكن أن يستعمل في هذه الأجسام، لكن في الأجسام التي يخاف عليها أن تعفن.
فأما المحرّق من الملح فله من التحليل أكثر ما للملح الذي لم يحرق، وجرمه أيضا يصير ألطف بسبب القوة التي اكتسبها من النار، كما يعرض لسائر ما يحرق من جميع الأشياء على ما بينا، ولكنه ليس يمكن فيه أن يجمع، ويكثر جوهر الجسم الصلب الذي يلقاه كما يفعل الملح الذي لم يحرق.