أما صيرورة الجبال سهولا، فإن الجبال من شدة إشراق الشمس والقمر وسائر الكواكب عليها، بطول الزمان، تنشف رطوبتها، وتزداد جفافا ويبسا، وتتكسر عند الصواعق خاصة، فتصير أحجارا وصخورا ورمالا، ثم السيول تحمله إلى بطون الأودية والأنهار، ولشدة جريان الماء تحملها إلى البحار، فتنبسط في قعر البحار جبال وتلال، كما يتولد من هيوب الرياح دعاص «١» الرمال في البر.
وكذلك قد يوجد في أجواف الأحجار إذا كسرت، أنواع من الأصداف والعظام، وذلك بسبب اختلاط طين هذا الموضع بالصدف والعظم؛ وأيضا فقد يوجد بعض الجبال ذو أطباق، بعضها فوق بعض، وسبب ذلك وصول السيول إليه بالطين مرة، فإن ماء السيل إذا انتقل من موضع إلى موضع يحمل طين الموضع الذي مرّ عليه، فتصير كل طبقة من ذلك بمرور الزمان حجرا بالسبب الذي قلنا، ولا تزال السيول تأخذ من الجبال وتحط حتى ترتفع من البحر الوهاد وتنخفض في البر الجبال والله أعلم بالحقائق.
وأما كيفية صيرورة البحار يبسا، واليبس بحرا، فإنه كلما انضمت من البحر قطعة على الوجه الذي ذكرناه، فالماء يرتفع يطلب الاتساع على سواحله، يغطي البر بالماء، ولا يزال ذلك دأبها بطول الزمان حتى تصير مواضع البر بحرا، وهكذا لا يزال الجبال تتكسر وتصير حصى ورمالا تحمله السيول إلى قعر البحار مع طين ممرها، وينعقد فيها كما ذكرنا، حتى يستوي مع وجه الأرض فتجف وتنكشف، فينبت فيها العشب والأشجار، فتصير (٢١٨) مكانا للوحوش والسباع، ويقصدها الناس لطلب الصيد والعشب والحطب، فتصير مسكنا للناس وموضعا للزرع والغرس والقرى والمدن، فسبحان من لا يعتريه التغير والزوال، وكل ما سواه يتغير من حال إلى حال.