للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مدره «١» خصام، وبدرة صمصام «٢» بقلب قلّب، ولسان ليست عارضته بخلّب «٣» ، وجبل يدق على الكيد، ويقوى على الأيد، لولا إفراط شغفه بالنساء، وكلفه بذوات السناء، وما اقتفاه «٤» من سنة مصعب بن الزبير في المغالاة في مهورهن، وترك بوارق السيوف لإيماض ثغورهنّ، وإلا فقد كان طعم علقم إذا غضب، ومس أرقم «٥» إذا وثب، ومن كنوز المطالب أنه كان تلو أخيه في شدة البدن والعبادة، وحب العزلة وطلب العلم، وهو أشعر من أخيه، وظهرت له شجاعة وطول صبر على الاغتراب برا وبحرا، حتى إنّه دخل على المنصور في هيئة منتصح، وقد أخفى شكله، وقال له: مالي عندك إن جئتك بإبراهيم بن عبد الله، فوعده بإحسان جزيل، فطلب منه أن يكتب إلى ولاة البحر الفارسي بالإعانة في مقاصده حيث توجه، فكتب له الكتب وأوصى الولاة به فتمكن بذلك من الهرب، وبث الدعوة إلى أن أحكم أمره، ثم أتى البصرة، حتى أبطل بناء بغداد، وأعد الجهازات للهرب إلى خراسان، لما رأى من إفراط إقبال الناس عليه وإعراضهم عنه، إلى أن هزمه عيسى بن موسى، وقتله في المعركة، فعاد المنصور إلى بناء مدينته، وقال: الآن عرفت رأسي أنه لي، ولم يخطب له بإمرة أمير المؤمنين إلا بعد مقتل [ص ٥] أخيه، وكان خروجه وخروج أخيه في سنة خمس وأربعين ومائة. ومن كتاب تجارب الأمم أنه قاسى شدائد في اختفائه، حتى إنه أكل على موائد المنصور، ووجد في بيت مال البصرة ألفي ألف درهم، فتقوّى بها، وصارت له فارس والأهواز، وكان الملتقى بينه وبين

<<  <  ج: ص:  >  >>