مرّ به مارّ قال له: هذه صورة فاكسرها، فلا يجيبه، ويقول: لعل لهذه صاحبا إذا كسرتها طالبني بثمنها، إلى أن مرّ به مغربي من أهل الجبل الذي آوى إليه، فلما قال له ما تأبّى أن كسرها وما تأتّى، فقال ابن تومرت: هؤلاء أريد لسرعة تلقيهم لما يقال لهم بالقبول، وترك القائل لهم وما يقول، وقضيته معروفة لم يخل منها مجالسة جليس، ولا مؤانسة أنيس، ولا سمع مرءوس ولا رئيس لما فيها من دقائق التلطف في المراد، والتوصل إلى ما في النفس والتهيؤ «١» للاستعداد، بهمة تقسر المآرب، وتعتذر على المطالب، وكان ابن تومرت واحد زمانه، وفريد عصره حتما وحزما وعزما وجزما وعلما [ص ٣٩] وحلما وعدلا، لا يدع ظلما ولا جورا، إلا ما يسمى في عيون الغيد حورا، ويدعى في ريق الغواني ظلما، مع الزهد والورع والقنع، ولو شاء لما اقتنع، والعفاف وما تلبس منه وادّرع، وكان لا يمل صاحبه ولا يسأمه، ولو تركه مغيرا لوجه ساحبه.
قال مؤلف الكنوز: كان ربعة قصفا «٢» أسمر عظيم الهامة حديد النظر، كثير الإطراق سجّاعا عالما، مقبلا على العبادة، لا يصحبه من متاع الدنيا إلا عصا وركوة «٣» ، ومن الأشعار لابن العديم قال: لحق إلى المشرق ولقي الغزالي «٤» وأخذ معه فيما يرومه فصعّبه عليه، وقال له: لو كان هذا أمرا ممكنا لما سبقت إليه، فلما خرج الغزالي رحمه الله لوداعه قال ابن تومرت فيه: