بدولته الأفضل ابن أمير الجيوش «١» وزير أبيه، وكان هو وزيره والذي يربيه، وكان أبا برا، إلا أنه أبى أن يفك عنه حجرا، ولم يزل يربيه على الشهامة، ويرتبه ترتيب الإمامة، إلى أن اشتدت ساعده، فرماه وأصابه من حيث لا يرى فأصماه، وكان الآمر أسمر «٢» شديد السمرة، شهما لا تخمد له جمرة، عليّ الهمة، بليّ العزمة، لا يبعد عليه منال، مهما رام نال، وكان الأفضل مدة وزارته له، قد عامل الرعية بإحسان، وأبرز أيامه فيما يروق من الاستحسان، وكان من قلوب الرعايا بمحل، ما ثوى في غيره ولا حل، فلما مات وجدت لفقده، وجدّت في البكاء عليه والوقوف على لحده، وخلف من خزائن الأموال المملوءة ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، وكذلك وجد له من الجواري وحلى النساء، ما لو كوشف به الليل لمحا آية المساء، ويحكى من حسن اهتمامه بعمارة الأرض وتغليقها، ببذل البذار وتنميقها، بما لا يزال ولاة الأعمال منه على جانب الحذار، أنه استجلب أردبين قمحا غرائب الزريعة، أراد أن يجعلهما للاختبار الذريعة، فأخرهما حتى فرغ أوان الزرع، ولم يبق لمحراث في الأرض قرع، ثم بعث بالأردبين أحدهما إلى الصعيد، والثاني إلى أسفل مصر، وكتب إلى والي كل عمل منهما، بأن يبذر إردبّه ويستكمل زرعه، ولا يؤخر منه حبة، فأجابه أحدهما بأنه قد فعل، وأجابه الآخر بأنه اجتهد على تحصيل أرض فارغة لبذارها فما حصل، فعرف اهتمام الأول بتغليق عمله، وإهمال الثاني، حتى