وجد لذلك الأردب مكانا من معطله، فأنعم على الأول وشكره، وقبض على الثاني وسمّره، ثم لما مات وزّر الآمر المأمون بن البطائحي، وأقامه وفوّض إليه الزعامة، وكان هو المتقلد [ص ٦١] بالتفويض، وبه نجز الأمر يزجر ويغيض، وهو يراجع في الأمر الآمر، ويرجع إلى ما يأمر به ويستأمر، والآمر يركب وينزل ويتصيّد، ويتخلّى عن موضعه ويتفرّد، وكان يتحدث في أمور ما يكون، وما يتجدد من الحركات والسكون، وحكى بعض من كان له به اجتماع، أنه أراه كتابا فيه صور مصورة، ومنيّات مختلفة، وفيها صورته قد قتل وهو على فرس أشهب، وألقي إلى جانب جسر أكهب «١» ، ثم قال لي أتعرف هذه الصورة؟
فقلت: لا، فقال: بل تعرف هذه الصورة، وما أظنه إلا وقد آن الوقت، فما مضت سنة حتى رأيت الآمر راكبا بالجيزة على فرس أشهب مارّا مع الجسر كأنه ذلك المصور ثم تفرد، وانقطع عنه الموكب، فخرج عليه جماعة رجال في سلاح كانوا قد اتّعدوا على قتله، فرقبوه حتى تفرد عنه جسر الجيزة وقطعوه بأسيافهم.
قال الحاكي: فجئت حتى كنت فيمن وقف عليه على تلك الصورة، ما أخطأ منها شيئا، وحكي أن الآمر بينا هو في موكبه قبلي بركة الحبش «٢» ، إذ تقدّمهم، فمرّ رجل على باب بستان له، وحوله عبيد وموال له، فاستسقاه ماء، فسقاه، فلما شرب قال: يا أمير المؤمنين، قد أطمعتني في السؤال، فان رأى أن يكرمني بنزوله لأضيفه، فقال: ويحك، معي الموكب، فقال: وليكن يا أمير المؤمنين، فنزل فأخرج الرجل مائة بساط، ومائة نطع، ومائة وسادة وفرشها، فصارت مدّ البصر، ثم أخرج مائة طبق بوارد، ومائة طبق فاكهة، ومائة جام