لا عمّر الله من أنسابكم أحدا ... وبثّكم في بلاد الله تطريدا
ودفعها إلى رجل حصيف، وقال له: تحيّل في إنشادها في عسكر مروان من حيث لا يعلمون، كأنك هاتف، وسار عبد الله بن علي، وجرت بينهم حروب، ثم إن ذلك الرجل الذي حمّله السفاح البيتين، تحيّل في سرب «١» احتفره حتى نفذه إلى قرار شجرة في معسكر مروان، واتخذ منها حروفا خفية يخرج الصوت، ثم قام بهما ليلا ينشدهما، وظنوه هاتفا هتف بهم، فتفللت عروتهم، وكان ذلك مع تقدير الله سبب الهزيمة، ويقال: إن مروان لما رأى المسودة خارت عزائمه، فقال له كاتبه عبد الحميد بن يحيى: ما هذا الذي أراه منك؟ أطربت للقاء أم جزعت من الموت؟ فقال له: والله لوددت أني في قلهم ويكون لي سعدهم، وما يغني هذا العسكر العظيم مع الإدبار، ولئن قاتلونا بعد الزوال، فهي لنا، وإن قاتلونا قبل الزوال، فهي لهم، فناجزهم عبد الله بن علي القتال، وكانت له، وانهزم مروان إلى الجسر، فغرق أكثر من معه، وانهزم مروان، فعقد عبد الله بن علي على الجسر، وعبر النهر، وهو يقرأ: وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ
«٢» ، ثم أتى مضارب مروان فنزلها، واستولى على ما فيها، ثم كتب إلى السفاح بالخبر، وكتب فيه:
[البسيط]
لجّ الفرار بمروان فقلت لهم ... عاد الظلوم ظليما همّه الهرب «٣»
أين الفرار وترك الملك إذ ذهبت ... بك الهوينى فلا دين ولا حسب
شبيه فرعون في ظلم وفي غرق ... وفي بذاءة كلب ما [به] كلب «٤»