المأمون حزم المنصور، ونسك المهدي، وعز نفس الهادي، ولو شئت أنسبه إلى الرابع لفعلت، يعني نفسه، وفي ذلك يقول:
[الطويل]
لقد بان وجه الرأي لي غير أنني ... غلبت على الأمر الذي كان أحزما
وكيف يردّ الدّر في الضرع بعدما ... توزع حتى صار نهبا مقسما
أخاف التواء الأمر بعد استوائه ... وأن ينقض الحبل الذي كان أبرما
واصطبح الرشيد قرب رمضان وقد قرب أن يرسي به زورق هلاله، فكتب إلى جعفر بن يحيى:[ص ١٢٧][الخفيف]
سل عن الصوم ابن يحيى تجده ... راحلا نحونا من النهروان
فأتنا نصطبح ونله جميعا ... لثلاث بقين من شعبان
فأجابه في رقعة كتبها، ثم ركب إليه واستصحبها، فلما قرأها الرشيد استطار قلبه، واستبشر بها ساعفه «١»(ساعة) قربه، وكان فيها:
[الخفيف]
إنّ يوما كتبت فيه إلى عب ... دك يوم يسود كلّ زمان
فاغتبق واصطبح فقد صانني ... الله إذا صنتني من الحدثان
وكان الرشيد بعد هذا يقول لما قتله تلك القتلة التي شوّه بها الجود، ونبه بها دمه للطلول بسلاف العنقود، والله ما صانه الله لي من الحدثان، بل كمنت له كمون الأفعوان في أصول الريحان، فلما تعرض للشم قابله بالسم، وسيأتي ذكر جعفر في موضعه، وكان الرشيد قد حبس أبا العتاهية وجعل عليه عينا يأتيه