للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كنت مع الرشيد بالرقة «١» ، وكنت أول من يدخل عليه فأتعرف خبره في ليلته، ثم ينبسط فيحدثني بخبر جواريه ومجلسه وشربه، ثم يسألني من أخبار العامة وأحوالها، فدخلت عليه في غداة يوم، فرأيته عابسا مفكرا مغموما، فوقفت بين يديه مليا وهو على تلك الحال، فلما طال ذلك أقدمت عليه فقلت:

يا سيدي، جعلني الله فداك، ما حالك هكذا، فأخبرني بها، فلعله يكون عندي دواؤه، فقال: ويحك يا جبريل، ليس غمي وفكري لشىء مما ذكرت، ولكن لرؤيا رأيتها في ليلتي هذه فأفزعتني، وملأت صدري، وأقرحت قلبي، فقلت: فرّجت عني يا أمير المؤمنين، فدنوت فقبلت رجله وقلت: هذا الهمّ كله لرؤيا، والرؤيا إنما تكون في خاطر أو من بخارات ردية من تهاويل السوداء، وإنما هي أضغاث أحلام بعد هذا كله، فقال: أنا أقصها عليك، رأيت كأني جالس على سريري إذ بدت من تحتي ذراع أعرفها، وكف أعرفها، لا أفهم اسم صاحبها، وفي الكف تربة حمراء، فقال لي قائل أسمعه ولا أرى شخصه: هذه التربة التي تدفن فيها، فقلت: وأين هذه التربة، فقال: بطوس وغابت اليد، وانقطع الكلام، فقلت «٢» : يا سيدي أحسبك لما أخذت مضجعك فكرت في خراسان، وما ورد عليك من انتقاضها، قال: قد [ص ١٣١] كان ذلك، قال فقلت:

فلذلك رأيت هذه الرؤيا، وما برحت أطيب نفسه بضروب من الحيل حتى سلا وانبسط، وأمر بإعداد ما يشتهيه ذلك اليوم في لهوه، ومرت الأيام، فنسي ونسينا تلك الرؤيا، فما خطرت لأحد منا ببال، ثم قدر مسيره إلى خراسان حين تحرك رافع، فخرج فلما صار في بعض الطريق ابتدأت به العلة، فلم تزل تزيد

<<  <  ج: ص:  >  >>