حتى تلين جلودكم وقلوبكم ... لمسوّد منكم وغير مسوّد
إن القداح إذا جمعن فرامها ... بالكسر ذو حنق وبطش أيّد
عزّت فلم تكسر وإن هي بددت ... فالوهن والتكسير للمتبدد [ص ١٣٩]
فرقّ الرشيد رقة شديدة، واغرورقت عيناه بالدموع فكفكفها، ثم أقبل على الأمين فقال: يا محمد، ما أنت صانع إن صرف الله إليك أمر هذه الأمة؟
فقال: أكون مهديا يا أمير المؤمنين، فقال الرشيد: إن تفعل فأهل ذاك أنت، ثم أقبل على المأمون فقال: يا عبد الله، ما أنت صانع إن صرف الله إليك أمر هذه الأمة، فابتدرت دموع المأمون، وفطن الرشيد لما أبكاه ولم يملك عينيه، فأرسلهما، وبكى يحيى، فلما قضى من البكاء إربا عاد الرشيد لمسألة المأمون، فقال: اعفني يا أمير المؤمنين، قال الرشيد: عزمت عليك أن تقول، فقال: إن قدر الله ذلك جعلت الحزن شعارا، والحزم دثارا، واتخذت سيرة أمير المؤمنين مشعرا لا تستحل حرماته، وكتابا لا تبدل كلماته، فأشار الرشيد إلى الأمين والمأمون بالانصراف، ثم ذهبا، ثم أقبل على يحيى وأنشده بيت صخر بن عمرو:
[الطويل]
أهم بأمر الحزم لو أستطيعه ... وقد حيل بين العير والنزوان