قال محمد: إنما فعل ذلك المأمون لسوء أدب اللؤلؤي، ووجه الأدب مع الرئيس إذا نام أن يتنحى عنه جلساؤه، فيكونوا بموضع يقرب منه.
قال ابن ظفر: ومما قيل إن الكسائي كان لا يفتح على ولد الرشيد إذا غلطوا، إنما كان ينكس طرفه، فاذا غلط أحدهم نظر إليه، وربما ضرب الأرض [ص ١٣٨] بخيزرانة في يده، فإن سدد القاري للصواب مضى، وإلا نظر في المصحف، فافتتح المأمون عليه يوما سورة الصف، فلما قرأ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ
«١» ، نظر إليه الكسائي، وتأمل المأمون، فإذا هو مصيب، فمضى في قراءته، ولما انقلب إلى الرشيد، قال: يا أمير المؤمنين، إن كنت وعدت الكسائي وعدا فإنه يستنجزه، قال: إنه كان استوصلني للقراء فوعدته، فهذا هو الذي قال لك، فقال المأمون: إنه لم يقل لي شيئا، وأخبره بالأمر، فتمثل الرشيد بقول القائل في ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام:
[الطويل]
ورثت أبا بكر أباك ثباته ... وسيرته في ثابت وشمائله
وأنت امرؤ ترجى بخير وإنما ... لكل امرئ ما أورثته أوائله
وقيل: إن الرشيد ناظر يحيى بن خالد فيمن يعهد إليه من ولده أولا، وعلم يحيى ميله إلى زبيدة أم الأمين، وأنه يؤثر هواها، فحطب في حبلها، فأحضر الرشيد الأمين والمأمون وهما صبيان، فأغرى بينهما، فأسرع الأمين إلى المأمون فنال منه، وكان المأمون أحلمهما، ثم إنه أمرهما أن يتصارعا، فوثب الأمين ولزم المأمون مكانه، فقال له الرشيد: ما لك لا تقوم يا عبد الله، أخفت ابن الهاشمية، أما إنه أيّد، فقال المأمون: وهو على ما ذكره أمير المؤمنين، ولكني لم أخفه،