وحزم الجيوش خائضا لغمراتها، معرضا وريده لاستنهاء وطباتها، كان أشد تبريا إلى الله من حول نفسه وقوتها، ولا أكثر اعترافا لفعل الله فيه فيما يصدر بالمباشرة عنه، فما ادعى لنفسه فعلا ولا قولا، ولا اعتقد لها قوة ولا حولا، لكنه يذكر كفاية الله التي جبرت نقصه، وقومت خطاه، وقدمت على المشرفية سطاه ويقول: ما رأيت في هذا الأمر الذي لابسته أنفع من دعاء وجدته في مجموع لابن سمعون، ولا أبلغ من ذكر رأيته في كتاب فضائل الأعمال لابن أبي الدنيا «١» ، ولا كان في قلبي أوثق من ركعات تعلمتها من فلان المجاور بجامع المهدي، وذكره الوزير أبو غالب عبد الواحد بن مسعود الشيباني بهذا وقال:
لقد كان لهذه المحاسن من أفعاله وأقواله هيئة وصنعة، لا تنهض العبارة بأدائها، ولا تؤدي الحكاية جزءا من أجزائها، وللصدق عليها شواهد من جنس ما تسميه الصوفية ذوقا لا يدركه إلا من خالطه، ورأى هديه وسكينته وخضوعه لله واستكانته، وإعزازه بالله في كل مقام تتخاذل فيه القوى، وتنفصم فيه إلا من استمسك بالله العرى:
[الكامل]
وهو مع الله على علاته ... ماض مضاء المشرفيّ الصارم
وقصد السلطان مسعود بن محمد بغداد سنة خمس وأربعين وخمس مائة، وتلقاه ابن هبيرة بالنهروان، وأبلغه سلام الخليفة واستبشاره بمقدمه، وانتظاره لتقدمه، ثم عاد وقد ملأ الصدور بما شاهده أرباب الدولتين من قوة جنانه، وطلاقة لسانه، ومهابته التي ظهرت على السلطان مسعود إعظامها، وهان عليه