يديه تلك العساكر، شاهرا سيفه بجأش رابط، وعزم ضابط، وطليعة كل نجم صاعد لا هابط، بتدبير صائب، وتدمير على الأعداء لا يرعى صحبة صاحب، وكانت النصرة للخليفة وعساكره، وتردت برد التهاني ببشائره، ونهب عسكر الخليفة مالا يتناوله الحصر ولا يتأوله [ص ١٨٦] إلا النصر.
قال الوزير أبو غالب: حتى كان الفرس الجيد يباع ببغداد بدينار، والبغل الجيد بدينارين، فأما الغنم فبلغت كل عشرين شاة بدينار، ودامت بهذا الرخص والكثرة نحو شهرين، ثم عاد الخليفة وقد خشع بصر الأعداء لمهابته، واتسع أمله باعتزازه على العدو وإهانته، ثم في سنة خمس وخمس مائة، وصل سليمان شاه بن محمد شاه إلى خدمة المقتفي، ملتجئا إليه، فأكرمه ووسع ضيافته، وصدق في قبوله بفراسته وعيافته «١» ، ومال الخليفة إلى تمليكه، ولم يكن ذلك من رأي ابن هبيرة، وعاود الخليفة فيه مرارا، وقال: هذا أمر دفع الله عن الخليفة شره، وكشف عنهم ضره، فلا تجدد ما اطمأنت النفوس على تعطيله، وسكنت إلى ما جهدت في تبطيله، فقال الخليفة: هذا قد لجأ إلينا، وسلك غير مذاهب أهل بيته، في الاستكانة والخضوع، ولو أراد جمع عسكرا وفسادا في الأرض لقدر عليه، وحيث قد أتى الأمر من بابه، فلا بد من إجابته، فاستدعي إلى باب الخلافة، وجلس له الخليفة جلوسا عاما في مجلس عظيم، حضره أرباب الدولة والمناصب، والأمراء والخدام والقراء والفقهاء، كلهم متأهبون بالسواد، وجلس الخليفة من وراء شباك، وقام ذلك الجمع بين يديه سماطين طويلين، ووقف الوزير ابن هبيرة على كرسي بين يدي الخليفة، وحضر سليمان شاه، فقبل الأرض ثم عدل به إلى بيت أفيضت عليه الخلع فيه بالطوق والسوارين والتاج والخلع التامة،