في لقب، ونافسهم وما ارتقب، وأظهر قوة من ضعف، ورسم خلافه كأنه لم يعف، وكان قد أخذ الناس بالأرصاد، وتعمد أخبارهم بالاقتصاد، فكان يكاد لا يخفى عليه بواطن أمورهم، وما يخفى بحيطان دورهم، ثم يحدثهم بها كأنه يكاشف، أو كأنه بخبايا أسرارهم عارف، لكنه كان طامح النظر إلى الحريم، لا تقنعه ظباء الحريم، ولا يرده حور الخلدان بحور في بغداد حور، وولد مع تشيع، إلا أنه ليس برفض وتسبّع، لو خلي لأكل الأرض، وكان بادي الرأي، له في كل يوم عزل وولاية، وبه عزّ وذل إلى غاية، وعهد إلى ولده الظاهر أبي نصر محمد، ثم عزله، ورفع اسمه على المنابر، ثم أنزله، وكان السبب في هذه، تميزه عليه خلقا وخلقا، وعلما وعدلا ورفقا، وبأسا صارع به بحضرة أبيه الجاموس، وضارع لو شاء الليث العبوس، كان قد خرج الناصر وهو معه إلى البطائح، فرأى جاموسا عصّب رأسه الهوى وهو طائح، وقد أوى إلى بطيحة اشتبك شجرها، واحتبك ماؤها ومحجرها، فقال لا يعرض أحد إلى هذا الجاموس، فإنه لا يخلو من بادرة وبوس، وكان جاموسا قد تأسد، لو عاث لأفسد، فنزل إليه الظاهر غير مكترث، وأبرم له عزما، غير منتكث، فلما رآه [ص ١٩١] الجاموس، صوّب إليه روقيه، وطأطأ ينطحه بقرنيه، فجرد الظاهر سيفه وتقدم إليه، وضربه ضربة قطع بها عنقه إلى ظلفيه، فحقدها عليه الناصر ونقمها، وأراده بها، ودفع الله نقمها، مع ما كان يؤثره الناصر من تقديم ابنه الثاني عليّ عليه، والله يؤخره ويهيئ الأمر للظاهر ويدخره، ومع هذا فما قدر الناصر على شىء أكثر من أنه عزله عن ولاية العهد وصرفه، ثم أحوجه الله إليه فولاه وصرفه، ثم تذكر بقية حال الناصر تفنّى وتفقه في هذا وأفتى، ووضع ترتيب الرفاق، ورضع معهم كؤوس الوفاق، ولبّس السراويل ولبّسه لأهل ذلك الجيل، ورمى البندق وبرز له، واختط الخطة ورمى الوجهين، ووضع له في أحكامه المقترح، واستباح في تشريعه ما لم يبح، وادعى