لأن الظاهر كان على خلاف الباطن من عقيدة أبيه، كان كل منهما في طرف لا يخادع فيما عرف، فأما الابن فاستقام على الطريقة، وأما أبوه فانحرف، فأمسكه وكبّله بالحديد، وثقفه وألقى عن عاتقه نجاد ولاية العهد، ونزع مطرفه، ثم لما مات أخوه عليّ، وأقفر بيت أبيه من ولد له يلي، وارجحنّ عقله الذاهب، وكان أثرا لمصائب، كأنه قد كان بلي بذهاب لبه، وأصيب بكل عقله، لا ببعض قلبه، أعاد تقليد ولده الظاهر ولاية العهد، وأعد له المنبر كمينة النهد هىء له، والسرير ما لم يكن إلا له، من حين فارق حجور المراضع، وقاطع ذروة المهد، وخطب له ببغداد، ثم صار إلى الأمصار، وضرب اسمه على السلك، وأنار وجه الدرهم والدينار، وهو مع هذا كله مرتهن عند أبيه في التعويق، مثقّف في الحديد بالقيد الوثيق، موكلا به في دار ترك عنده جارية، ورتب له فيها كفاية جارية، قد أيقظ عليه عيونالا تهجع، حتى توقظ أخرى، ورقيا لا تغفل شفقا ولا فجرا، حتى شاء الله أن يشق صدفته عن درتها، وتتصدع صخرته عن زبرتها، وتنفرج أفنان غابته عن قسورتها، وتتمحّص مدرة أرضه ليخرج مدرتها، فمات أبوه ورغم معطس من كان يأباه، يريد أن لا يكون أخوه، وخرج من معتقله خروج الأسد من وجاره «١» ، والكوكب الدري من حجب أفوله، والبدر التمام من خدور سراره، وانتضى انتضاء المشرفي المرهف، وخلص من السقيف خلوص السمهري المثقف، وأصفقت الأيدي على مبايعته بالإمامة، ورقى ذروة المنبر وعليه لواء الكرامة، وهيّأ الله له ما أراده من الخير، وأحسن له الحسنى، وأحل الغير بالغير، وأعادها عمرية ليس فيها جناح، وقمرية خدم فيها البدر من العشاء إلى الصباح، ولم يكن في حظ زمانه أن تدوم وأن تتم، وعدله قمرها المنبر، وعيون أخباره النجوم، فكنت [ص ١٩٦] لا ترى في مدته إلا سنّة