وأما هذا السلطان أبو الحسن في ذاته فإنه ممن أصلح الله باطنه وظاهره، وعمر بالتقوى قلبه وسائره «٢» ، يساوي العلماء ويواسي الفقراء، معدود في أبطال الرجال وشجعان الفرسان، ترد علينا أخباره ما يراوح النسيم، ويفاوح التسنيم، تدارك الله به أهل الأندلس، وقد جاذبت معاقلهم الكفار، وثبّت مدنهم، وهي على شفا جرف هار، قد أجرى الله على يديه أجر بقائها في يد الإسلام، واستوقف به ظعائنها وقد أذنت بسلام، وهو في هذا الطرف ماسك بأوتاده، سالك فيه سبيل جهاده، رادّ لأعداء الله عن منى أطماعهم، ما لاذ به خائف إلا أجاره، ولا أمله آمل فخاب ظنّه، قد وسع الخلق بخلقه، وجمع أممهم على ما أطعمه الله من رزقه، ولقد حدّثني غير واحد عن خلقه وخلائقه الرضيّة، وآثاره الوضيّة، وكمالاته التامّة وفضائله المنقية المرضيّة، ما لحق به من سلف من السلف، وهو ممن لا يثنى له عن الجهاد عنان، ولا يغمد له سيف ولا سنان، حتى يستردّ باقي ضالته المفقودة، وما استولى عليه العدوّ من الأندلس من البلاد، وجدير بمن هذه نيته أن يسهل الله له ببلوغ مرامه، واستكمال ما بقي في أيامه، وهو رجل فتل الأيام، وفتل غارب الأنام، وخالط العلماء، وتأدب بآدابهم وخالل الشجعان وزاد عليهم، لو صدع الحجر لأنفذه، أو صدف المتردي من السماك لأنقذه، لا يلتفت طرفه إلى ما نبذه، ولا إلى ما تركه من الدنيا أو ما أخذه، فلو رمى البحر لما زخر زاخره، أو قذف الزمان لما دارت دوائره، وقد أحيا حوله من صنائع آبائه ومن اتبعهم بهم من صنائعه، أسود غيل، وجنود صرير وصليل، لا يبدرهم إلى إجابة صريح، ولا يخبرهم بألطاف المتجدد مسمع فرس يصيح، (٥٦٢) بهمم غطت على