ووارث علمه، سيدنا ومولانا عبد الله ووليه أبو العباس الإمام الحاكم بأمر الله، أمير المؤمنين أيد الله ببقائه الدين، وطوق بسيفه الملحدين، وكبت تحت لوائه المعتدين، وكتب له النصر إلى يوم الدين، وكبّ بجهاده على الأذقان طوائف المفسدين، وأعاذ به الأرض مما لا بدين، وأعاد بعدله أيام آبائه الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين، الذين قضوا بالحق، وبه كانوا يعدلون، وعليه كانوا يعملون، ونصر أنصاره، وقدر اقتداره، وأسكن في القلوب سكينته ووقاره، ومكن له في الوجود، وجمع له أنظاره.
ولما انتقل إلى الله ذلك السيد، ولقي أسلافه، ونقل إلى سور الجنّة عن سرير الخلافة، وخلا القصر من إمام يمسك ما بقي من نهاره، وخليفة يغالب مزيد الليل بأنواره، ووارث نبي بمثله ومثل آبائه، استغنى الوجود بعد ابن عمه، خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم، عن نبي يقفي على آثاره، ونسي ولم يعهد، فلم يبق إذ لم يوجد النص إلا الإجماع، وعلته كانت الخلافة، بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا نزاع، اقتضت المصلحة الجامعة عقد مجلس كل طرف به معقود، وعقد بيعة عليها الله والملائكة شهود، وجمع الناس له، وذلك يوم مجموع له الناس، وذلك يوم مشهود، فحضر من لم يعبأ بعده بمن تخلف، ولم يربأ معه وقد مدّ يده طائعا، لمن مدها، وقد تكلف، وأجمعوا على رأي واحد، استخاروا الله فيه فخار، وأخذ يمين تمد لها الأيمان، وتشدّ بها الإيمان، وتعطى عليها المواثيق، وتعرض أمانتها على كل فريق، حتى تقلد كل من حضر في عنقه هذه الأمانة، وحط على المصحف الكريم يده، وحلف بالله وأتم أيمانه، ولم يقطع ولا استثنى، ولا تردد، ومن قطع عن غير قصد أعاد وجدد، وقد نوى كل من حلف، أن النية في يمينه، نية من عقدت له هذه البيعة، ونية من [ص ٢٠٩] حلف له وتذمم بالوفاء له في ذمته، وتكفله على عادة أيمان