لقد اضطر مأمور وأمير لولا الفكر بعده في عاقبة المصالح، لقد غاضت البحار، لقد غابت الأنوار، لقد غالت البدور وعوارض ما يلحق الأهلة من المحاق، وتدرك البدور من السرار، نسفت الجبال نسفا، وخبت مصابيح النجوم وكادت تطفى، وجاء ربك والملك صفا صفا، لقد جمعت الدنيا أطرافها، وأزمعت على المسير، وخضت الأمة لهول المسير، وزاغت يوم موته الأبصار، إنّ ربّهم يومئذ لخبير، وقفت الألباب حيارى، وتوقفت تارة تصدق وتارة تتمارى، لا تعرف قرارا، ولا على الأرض استقرارا، إن زلزلة الساعة شىء عظيم، يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولم يكن في النسب العباسي، ولا في جميع من في الوجود، ولا في البيت المسترشدي، ولا في غيره من بيوت الخلفاء من بقايا آباء لهم وجدود، ولا من بلدة أخرى الليالي وهي عاقر غير ولود، من تسلم إليه أمة محمد صلى الله عليه وسلم عقد نياتها، وسر طوياتها، إلا واحد، وأين ذاك الواحد، هو والله من انحصر فيه استحقاق، ميراث آبائه الأطهار، وتراث أجداده، ولا شىء هو إلا ما اشتملت عليه رداء الليل والنهار، وهو ولد المنتقل إلى ربه، وولد الإمام الذاهب لصلبه المجمع على أنه في الأيام، فرد هو الأنام، وواحد وهكذا في الوجود الإمام، وإنه الحائز لما زرت عليه جيوب المشارق والمغارب، والفائز بملك ما بين المشارق والمغارب، الراقي في صفح السماء، هذه الذروة المنيفة، الباقي بعد الأئمة الماضين، ونعم الخليفة المجتمع فيه شروط الإمامة، المتضع لله، وهو ابن بيت لا يزال الملك فيهم إلى يوم القيامة، الذي يفضح السحاب نائله، والذي لا يغره عاذره، ولا يعيره عاذله، والذي ما ارتقى صهوة المنبر، بحضرة سلطان زمانه، إلا قال ناصره، وقام قائمه، ولا قعد على سرير الخلافة إلا وعرف أنه [ص ٢٠٨] ما خاف مستكفيه، ولا غاب حاكمه، نائب الله في أرضه، والقائم مقام رسوله صلى الله عليه وسلم، وخليفته وابن عمه، وتابع عمله الصالح،