الذي فرط مني إليك عن غير نية ولا رضى بما قلت، ولكني أردت أن يعلم أهل العراق إذ كان من ابنك ما [ص ٢٦٦] كان إذا بلغت منك ما بلغت كنت بالغلظة والعقوبة أسرع، فقال أنس: ما شكوت حتى بلغ الحقد، وقد زعمت أننا الأشرار، وسمانا الله جل وعز الأنصار، وزعمت أنا أهل النفاق، ونحن الذين تبوّءوا الدار والإيمان، وسيحكم الله بيننا وبينك، فهو أقدر على العز لا يشبه الحق عنده الباطل، ولا الصدق الكذب، وزعمت أنك اتخذتني ذريعة وسلما إلى مساءة أهل العراق باستحلال ما حرم الله عليك مني، ولم يكن لي عليك قوة، فوكلتك إلى الله وإلى أمير المؤمنين، فحفظ من حقي ما لم تحفظه، فوالله إن النصارى على كفرهم، لو رأوا رجلا خدم المسيح عيسى بن مريم عليه السلام يوما واحدا، لعرفوا من حقه ما لم تعرفه من حقي، وقد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، وبعد فإن رأينا خيرا حمدنا الله عز وجل عليه، وإن رأينا غير ذلك صبرنا والله المستعان، فرد الحجاج عليه ما كان قبض من أموالهم.
وأراد عبد الملك أخاه عبد العزيز على أن يخلع نفسه، فأبى، فكتب إليه يعتبه ويقول: احمل إليّ خراج مصر، فكتب إليه: يا أمير المؤمنين، إنّا قد بلغنا سنا لم يبلغها أحد من أهل بيتك إلا كان بقاؤه بعدها قليلا، وإنّا لا ندري أينا يأتيه الموت أولا، فإن رأيت ألا تغثت «١» عليّ بقية عمري فافعل، فرق له عبد الملك وقال: لعمري لا فعلت ذلك ولا سؤت أخي، وقال لبنيه: إن يرد الله يعطكم إياها، ثم لم يلبث أن أتاه نعي عبد العزيز، فاسترجع وبكى، ووجم ساعة ثم قال: رحم الله عبد العزيز، فقد مضى لسبيله، ولابد للناس من علم يسكنون له وقائم يقوم بالأمر بعدي، وكان مؤثرا للوليد من بنيه على حبه لكلهم، وكان الحجاج يكتب إليه بأن يعهد إلى الوليد، فعهد إلى الوليد ثم إلى