للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوليد مغرى بعيب الحجاج، معنّى منه بما يكثر ريب اللجاج، وكان ينوي إن صارت إليه نوبة الخلافة، له نومة كل آفة، فمات قبل ذلك الحجاج، وفات الحجاج، فسبقت نية سليمان فعله، وسيفه عدله، وكان سليمان نهما لا يشبع، ملتهما يأكل مع اللقمة الإصبع، حتى استأسد واستسبع، وأكل ما طار بجناح أو مشى على أربع، وأمه وأم الوليد ولادة بنت العباس بن جزي العبسي، نشأ في أخواله بني عبس، ونأى في أحواله عن اللبس، وكان أبيض جعدا، كاد محياّه يندى، نظر يوما إلى المرآة وقد لبس حلة خضراء، رفل في سندسها، ونحل نوار الخمائل من أنواره ضوء مشمسها، فقال: أنا الملك الفتى، أو قال: أنا الملك الشاب، لما داخله بالملك الإعجاب، ومرّ في خروجه إلى مصلاه بجارية له كان بها كلفا، وبحبها شغفا، فلما قال لها هذا القول قالت:

[الخفيف]

أنت نعم المتاع لو كنت تبقى ... غير أن لا بقاء للإنسان [ص ٢٧٤]

ليس فيما علمته فيك عيب ... كان في الناس غير أنك فان

فتطير من قولها وتشاءم، وراجع الفكر في هذا وداوم، ثم أتى المنبر فخطب فأسمع، ثم تقدم إلى المحراب، وصوته لا يتعدى له خرق مسمع، فعاد إلى منزله ساكنا يتوجع، وطلب تلك الجارية كالمنكر عليها، فأقسمت أنها لم تره ذلك اليوم أجمع، فعلم أنه نعي، وأنه إنما خرج ليودع، وكان ملك حسن وإحسان، وخليفة يمن وأمان، ولي سنة ست وتسعين، فجاء جميل المذهب، كأنما أيامه الطراز المذهب، أبقى من حسن السيرة ذكرا لا يبلى، وأثرا لا يذهب، ملك أمره فما شعّث ولا تشعب، وأنصف من الظالم فأخمد سورة من تشغب، وأخرج من الحبوس، ونزع عن المستورين لباس البوس، وكساهم حلل الكرامة، وأنساهم بعدله ما مسّهم من السآمة، ورد عنه بردهم الملامة، وأخذ الظلامة، وراقب الله

<<  <  ج: ص:  >  >>