وفد على عمر من العراق، فنظر إلى شاب منهم يتهيّأ للكلام، فقال عمر:
ليتكلم أكبركم سنا، فقال الفتى: يا أمير المؤمنين، ليس الأمر بالسن، ولو كان كذلك، لكان في المسلمين من هو أسنّ منك، قال: صدقت، فتكلم، فقال:
إنّا لم نأتك رغبة ولا رهبة، أما الرغبة فأتتنا في بلادنا، ودخلت علينا منازلنا، وأما الرهبة فإنّا قد أمناها بعدلك، قال: فما أنتم، قال: نحن وفد الشكر، فنظر محمد بن كعب القرظي إلى وجه عمر يتهلل، فقال: يا أمير المؤمنين، لا يغلبن جهالة القوم، بل معرفتك بنفسك، فإن من الناس ناسا غرهم الستر، وخدعهم حسن الثناء، وأنا أعيذك بالله أن تكون منهم، فبكى عمر رحمه الله.
وقال البلاذري: وفد جرير على عمر بن عبد العزيز، فغبر حينا لا يصل إليه، ثم رأى ذات يوم عون «١» بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، يريد الدخول عليه، وقال: وكان قارئا، فقام إليه جرير فقال له:
[البسيط]
يا أيها القارئ المرخي عمامته ... هذا زمانك إني قد مضى زمني
أبلغ خليفتنا إن كنت لاقيه ... إني لدى الباب كالمقرون في قرن
فقال له عون: إن أمكنني ذلك فعلت إن شاء الله، فلما دخل عون على عمر، سلم وجلس، حتى فرغ من حوائج الناس، ثم أقبل عون عليه فقال: يا أمير المؤمنين، إن ببابك جرير بن عطية الشاعر، وهو يطلب الإذن، فقال عمر:
أويمنع أحد من الدخول عليّ؟ قال: لا يا أمير المؤمنين، ولكنه يطلب إذنا خاصا