ينشدك فيه، فقال: يا غلام، ادخل جريرا، فأدخل عليه، وعون جالس، فأنشد جرير:«١»
[البسيط]
أأذكر الجهد والبلوى التي شملت ... أم أكتفي بالذي أبليت من خبري
كم بالمواسم من شعثاء أرملة ... ومن يتيم ضعيف الصوت والنظر
ممّن ترجّى له من بعد والده ... كالفرخ في العش لم ينهض ولم يطر
فبكى عمر حتى بلّت دموعه لحيته، وأمر بصدقات تفرق على الفقراء [ص ٢٨٣] ، فقال جرير:
هذي الأرامل قد قضّيت حاجتها ... فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر
فقال له: يا جرير، أأنت من المهاجرين الأولين؟ قال: لا، قال: أفمن أولاد الأنصار؟ قال: لا، قال: أفمن أولاد التابعين بإحسان؟ قال: لا، قال: أفمن فقراء المسلمين فنجزيك على ما نجزي عليه الفقراء؟ قال: قدري فوق ذلك، فقال: يا جرير، ما أرى لك بين الدفتين حقا، فولى جرير، فقال عون: يا أمير المؤمنين، إن الخلفاء كانت تعوّد الإحسان، وإن مثل لسانه يتّقى، فقال عمر:
ردّه، فردّ، فقال: يا جرير، إن عندي من مالي عشرين دينارا، وأربعة أثواب، فأقاسمك ذلك؟ فقال: بل نوفر يا أمير المؤمنين ونحمد، فلما خرج تلقاه الناس فقالوا: ما وراءك، قال: خرجت من عند رجل يعطي الفقراء، ويمنع الشعراء، وإني له لحامد، ولم يذكره بسوء، ورثاه حين مات.
وقال البلاذري: كتب عدي بن أرطاة إلى عمر يستأذنه في عذاب قوم من عمال الخراج امتنعوا في أداء ما عليهم، فكتب عليه: «أما بعد، فالعجب كل العجب من استئذانك إياي في عذاب البشر، كأني جنّة لك من عذاب الله، أو