ومات هشام بالذبحة، فروي عن سالم أبي العلاء أنه قال: خرج علينا هشام يوما وهو كئيب، يعرف ذاك فيه، مسترخي الثياب، قد أرخى عنان دابته، فقال: ادعوا الأبرش، فدعي فسار بيني وبين الأبرش، فقال الأبرش: يا أمير المؤمنين، لقد رأيت منك ما غمّني، قال: ويحك يا أبرش، وكيف [ص ٢٩٢] لا أغتم وقد زعم أهلي أني ميت إلى ثلاثة وثلاثين يوما، قال الأبرش: فلما انصرفت إلى منزلي كتبت: زعم أمير المؤمنين أنه يسافر يوم كذا، فلما كانت ليلة اليوم الذي كمل الثلاثة والثلاثين، أتاني رسول هشام، فقال: أجب واحمل معك دواء الذبحة، وقد كانت الذبحة عرضت له مرة فتداوى بذلك الدواء فانتفع به، قال: فأتيته ومعي الدواء، فتغرغر به، فازداد الوجع شدة ثم سكن، فقال: قد سكن بعض السكون، فانصرف إلى أهلك، وخلف الدواء عندي، فما استقررت في منزلي حتى سمعت الصراخ، فقالوا: مات أمير المؤمنين، فلما مات أغلق الخزّان الأبواب، فطلبوا قمقما يسخن فيه ماء لغسله فما وجدوه حتى استعاروا قمقما. وكان الوليد شخص عن الرصافة لكثرة عبث هشام به، وخلف عياض بن مسلم مولى عبد الملك بن مروان، وهو كاتبه بالرصافة، وأمره أن يكتب إليه الأخبار، فعتب عليه هشام فضربه وحبسه، وأفاق هشام إفاقة فطلب شيئا، فمنعه، فقال: أرانا إنما كنا خزّانا للوليد، ثم مات من ساعته، فخرج عياض من الحبس وختم أبواب الخزائن، وأمر بهشام فأنزل عن فرشه وحازها فما وجد له كفن، حتى كفنه غالب مولى هشام، فتّبا لدنيا متاعها قليل، وعزيزها ذليل، بينما المرء خليفة فإذا به جيفة.
ومن كلام هشام: اثنان يتعجلان النصيب، ولعلهما أن لا يظفرا بالبغية، الحريص في حرصه، ومعلم البليد مالا يبلغه فهمه.